قصة نجاح استثنائية وصانعات لفصل جديد قبل سنوات قليلة فقط، لم تكن الرياضة النسائية في المملكة تحتل موقعا بارزا في المشهد العام، وكانت كثير من الفتيات يجدن أنفسهن محرومات من حق بسيط في ممارسة شغفهن الرياضي في بيئة منظمة، أو حتى في الوصول إلى مدربة معتمدة أو ملعب مؤهل، كان الطريق ولا يزال طويلا، محفوفا بتحديات ثقافية واجتماعية ولوجستية، وكان الحضور النسائي في المناصب الرياضية القيادية شبه معدوم. لكن المشهد تغير كليا خلال فترة وجيزة، وبوتيرة سريعة ومدروسة، خصوصا مع انطلاقة "رؤية السعودية 2030"، التي جاءت كمنصة تغيير شاملة، أفسحت المجال أمام المرأة السعودية للانخراط في كل القطاعات، بما في ذلك المجال الرياضي، لم يعد حضور المرأة في الرياضة مقصورا على الهامش، بل أصبحت شريكا في صناعة القرار الرياضي، وصوتا فاعلا في اللجان والاتحادات، وقيادية تدير وتوجّه وتؤسس وتلهم. اليوم، تشهد الرياضة النسائية السعودية طفرة نوعية، تمثلت في إنشاء الاتحادات واللجان المتخصصة، وإطلاق البطولات الرسمية، وظهور أندية رياضية نسائية، واعتماد المنتخبات النسائية في عدد من الرياضات، الأهم من ذلك كله، هو بروز قيادات نسائية سعودية شكلن حجر الزاوية في هذه الطفرة، وأسهمن ليس فقط في تطوير الرياضة، بل في إعادة تعريف دور المرأة فيها، من مجرد "ممارسة" إلى "صانعة قرار" ومؤسسة منهج، في هذا الإطار، يسلط هذا التقرير الضوء على سبع قياديات سعوديات برزن في مسارات رياضية مختلفة، من كرة القدم إلى الملاكمة، ومن التنس إلى الدراجات، ومن المبارزة إلى اليوغا، سبع شخصيات حملن على عاتقهن مسؤولية التحول، واستثمرن خبراتهن الأكاديمية، وشغفهن بالرياضة، وإيمانهن بقدرات المرأة السعودية، في بناء واقع رياضي جديد يُحتذى به. كل واحدة من هذه القياديات تمثل قصة نجاح استثنائية، وتجربة شخصية تحكي عن الإصرار، والريادة، والقدرة على تجاوز التحديات، والإسهام في بناء وطن أكثر تنوعًا وشمولا واحتواء للمواهب النسائية، هنّ ليس فقط واجهات مشرفة للرياضة النسائية، بل صانعات لفصل جديد من الحكاية السعودية. من تأسيس أول نادٍ إلى مساعدة وزير في قلب كل تغيير ريادي، تقف شخصية تملك الجرأة والرؤية، أضواء بنت عبدالرحمن العريفي، واحدة من هذه الشخصيات التي غيرت قواعد اللعبة في المشهد الرياضي النسائي، لم تبدأ مسيرتها من مناصب عليا، بل من الميدان، حيث أسست أول نادٍ نسائي في السعودية "نادي اليمامة"، وأطلقت أول فريق كرة قدم نسائي يحمل ذات الاسم، لتكون بذلك أول سيدة سعودية تتصدى لريادة هذا القطاع حديث الولادة آنذاك. شغفها بالرياضة، وخصوصا الرياضة المجتمعية، جعل منها صوتا نسائيا حاضرا في كل مراحل التحول، كانت أول سعودية تنضم إلى مجلس إدارة الاتحاد السعودي لكرة القدم، وترأست لجنة المسؤولية الاجتماعية، قبل أن يتم تعيينها مساعدا لوزير الرياضة لشؤون الرياضة في ديسمبر 2022، في تكليف يعكس حجم الثقة والدور الحيوي الذي تؤديه. وتحت قيادتها، بات حضور المرأة في المحافل الرياضية أكثر وضوحا، كما حصلت على "جائزة المرأة في الرياضة 2020"، نظير جهودها في نشر الرياضة النسائية، ودعمها المستمر للاعبات في البطولات المحلية والدولية، وهي اليوم أحد أبرز الوجوه النسائية التي تمهد الطريق لجيل جديد من الرياضيات القياديات. دراجات نسائية بأفق دولي في مجال يتطلب حضورا جسديا وذهنيا عاليا، اختارت الأميرة مشاعل بنت فيصل آل سعود أن تكون صوت المرأة في رياضة الدراجات، وأصبحت منذ ذلك الحين، ركيزة أساسية في توطين هذه الرياضة وبناء هويتها النسائية في المملكة والمنطقة، ترأست اللجنة النسائية في الاتحاد السعودي للدراجات، ثم انتقلت إلى قيادة لجنة دراجات المرأة في الاتحاد العربي، وأسست جمعية "مسارات الرياضة"، التي تُعنى بتأهيل الشباب والفتيات لممارسة رياضة الدراجات وفق معايير احترافية، ما جعلها رمزا رياضيا يعمل على الجمع بين الصحة، والاستدامة، والتمكين. خلال قيادتها، تم إطلاق أول دوري نسائي لسباقات الطريق في 2022، وهي أيضا أحد العقول المنظمة لطواف العلا 2024، وهو حدث دولي ضخم يُقام بشراكة محلية وعالمية ضمن رؤية جودة الحياة. أما على المستوى العربي، فكانت رائدة في إطلاق أول بطولة افتراضية عربية للدراجات للسيدات عام 2024، في احتفاء رمزي بالتقدم والتقنية والهوية الرياضية للمرأة. خلق بيئة تنافسية من ساحة القتال بالسيف إلى ساحات القرار الرياضي، خطّت لمى الفوزان مسيرة شخصية تنبض بالشغف، والتحدي، والتغيير، هي المؤسسة للمنتخب السعودي النسائي للمبارزة، وعضو مجلس الاتحاد السعودي للمبارزة، وتُمثل المملكة في مجلس المرأة التابع للاتحاد الآسيوي، لم يكن دخولها لهذا المجال مجرد صدفة، بل انعكاسا لشغف داخلي تولّد مع أول حصة تدريبية لها، حيث قررت أن تسلك طريقا غير مألوف في بيئة اجتماعية تقليدية. اليوم، هي من الأصوات الصلبة التي تدافع عن المرأة الرياضية، وتسعى إلى توفير بيئة تنافسية محفزة للاعبات، كما أنها تسخّر خلفيتها الأكاديمية في الاقتصاد والإدارة لدفع عجلة تطوير هذه الرياضة، تمتلك الفوزان حضورا لافتا في المؤتمرات واللجان الرياضية، وتُعد من أبرز الوجوه النسائية التي تجمع بين اللعب، والإدارة، والسياسة الرياضية، ما يمنح تجربتها عمقا نادرا. الرياضة لا يحدها نوع قد تبدو الملاكمة بعيدة عن الثقافة الرياضية السائدة في المجتمع السعودي، إلا أن رشا محمد الخميس استطاعت أن تجعلها محط أنظار الفتيات، نائبة رئيس الاتحاد السعودي للملاكمة، وأول امرأة سعودية تُعتمد من الاتحاد في هذه الرياضة، تشغل أيضا مناصب إقليمية كرئيسة للجنة المرأة العربية في الملاكمة، وعضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد الآسيوي. خلف رشا قصة تعليمية مميزة، فهي حاصلة على ماجستير في السياسات العامة من جامعة جنوب كاليفورنيا، وتستثمر معارفها في إعادة تعريف العلاقة بين المرأة والرياضة عبر أدوات التمكين المجتمعي، وهي أيضا شخصية رياضية متعددة المواهب، حيث دخلت موسوعة غينيس أربع مرات في مباريات كرة القدم، لتُثبت أن الشغف الرياضي لا يحدّه نوع أو قالب، تؤمن رشا بأن الرياضة ليست هدفا بحد ذاتها، بل وسيلة لخلق فرص وتمكين الفتيات من التعبير عن أنفسهن، واكتشاف قوتهن الداخلية. ولذلك، تعمل بلا توقف على تطوير البنية التحتية لرياضة الملاكمة في المملكة، واستكشاف مواهب جديدة بين الشابات. من اليوغا إلى العالمية لم تكن رياضة اليوغا تُعدّ من الرياضات الرسمية أو المنظمة في السعودية حتى سنوات قريبة، غير أن نوف المروعي آمنت بقدرتها على التأثير عبر هذه الرياضة الروحية والجسدية. بدأت رحلتها قبل أكثر من عقدين، وتدرجت حتى أصبحت رئيسة اللجنة السعودية لليوغا، ومن أبرز الوجوه الدولية في هذا المجال. نوف ليست فقط رائدة محلية، بل شخصية عالمية، تشغل منصب الأمين العام للاتحاد الدولي لليوغا في الوطن العربي، وتم اختيارها ضمن أكثر خمس نساء تأثيرًا عالميًا في اليوغا عام 2024. حصلت على أوسمة عالية، منها "بادماشري" من رئيس الهند، و"جوهرة اليوغا" من ولاية كيرلا، وهي أول أجنبية تحصل على هذا التقدير. ما يميز المروعي هو سعيها لتأطير اليوغا داخل منظومة رياضية رسمية، فأسهمت في اعتمادها كرياضة تحت إشراف وزارة الرياضة، وتعمل اليوم على تأهيل المدربين وفق معايير دولية، من خلال عضويتها في لجنة المعايير العالمية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. هندسة كرة القدم النسائية في رياضة تتصدر المشهد الإعلامي وتُعد الأكثر شعبية، تمكنت لمياء بنت إبراهيم بن بهيان من صناعة مسار جديد للمرأة السعودية. كنائبة لرئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، تقود لمياء مشروعا استراتيجيا لتأسيس دوري نسائي قوي، وإدخال المنتخب النسائي في التصنيف الدولي، وهي أيضا الرئيس التنفيذي لملف استضافة السعودية لكأس آسيا للسيدات 2026. جهودها أثمرت عن إنشاء بنية تحتية نسائية في كرة القدم لم تكن موجودة من قبل، وشهدت الرياضة النسائية في عهدها ولادة مسابقات جديدة، وتنام في عدد اللاعبات المسجلات. وهي أيضا عضو في اللجنة التنفيذية لاتحاد غرب آسيا حتى 2027. لمياء تؤمن بأن الرياضة أداة لبناء المجتمعات وتعزيز حضور المرأة في المجال العام، وقد حصلت على جائزة رياضة المرأة 2022، نظير قيادتها لهذا التحول النوعي. التنس بهوية نسائية جديدة أريج مطبقاني، رئيسة الاتحاد السعودي للتنس، سطّرت اسمها في سجل التاريخ عام 2021 كأول امرأة ترأس اتحادًا أولمبيًا ممارسا. قيادتها لم تكن شكلية، بل مثّلت نقلة نوعية في هيكلة الاتحاد، حيث شكّلت مجلس إدارة يضم أربع نساء من أصل ستة أعضاء، في مشهد غير مسبوق. تنتمي مطبقاني لعائلة رياضية عشقت التنس، وتعمل الآن على تطوير البنية التحتية، وتنظيم البطولات، وزيادة عدد ممارسي اللعبة، وكان أبرز إنجازاتها توقيع عقد استضافة جدة لنهائيات الجولة العالمية للجيل المقبل بالتعاون مع رابطة اللاعبين المحترفين ATP، في اتفاق يمتد حتى 2027، ويضع السعودية على خارطة التنس العالمية. اريج مطبقاني وتوقيع اتفاقيات لبطولة التنس لمى الفوزان تسلم احدى الفائزات ميداليتها نوف المروعي في احدى فعاليات رياضة اليوغا لمياء بن بهيان في احدى بطولات القدم الاميرة مشاعل بنت فيصل رشا الخميس في احدى بطولات الملاكمة