تنوع الآراء حول مشكلة ما أمرٌ طبيعي، بل ويثري أحيانًا عبر الحلول التي تتضمنها هذه الآراء. إبداء رأيك في أمرٍ ما حقٌّ أصيل لك. النقد يؤخذ فقط من المتخصص، وفيه يُشخّص الناقد المشكلة وفق رؤية علمية ويعطي الحلول الممكنة عمليًّا. ورغم أن الناقد المتخصص هو الأقرب للصواب في التشخيص، إلا أنه مع ذلك ليس منزهًا عن الخطأ، ولا يُفترض الارتهان لرأيه بالكامل، لكنه يبقى أولى بالاهتمام ويُستند له ضمن حجج تدعيم القرار أو وجاهة الحل. في ردود الأفعال على وضع الهلال، تسمع وتقرأ المئات من الآراء، ولا تجد بينها ما يمكن أن يُسمى نقدًا سوى عدد لا يتعدى أصابع اليدين، أما البقية فهي آراء نابعة من مشاعر عاطفية غير مبنية على أسس حقيقية، ولا يمكن اعتمادها عند مسيّري النادي في الحكم على الأمر أو الأخذ بها كحلٍّ للمشكلة. وإصرار أصحابها على أنها الرؤية الأصوب والحل الأمثل أمر بشري مفهوم، لكن من بيده القرار ليس ملزمًا بالأخذ بها. ما مضى تأطئة للآتي: الموسم الماضي قدم الهلال مستويات كبيرة وحصل على نتائج مذهلة وغير مسبوقة، ووصل لمرحلة مذهلة وضعته عند خصوم ومسؤولين في دائرة الفريق الذي لن يخسر إلا إذا دعمت الفرق الأخرى بقوة، وتعاملت معه على أنه يملك الفائض ويجب أن يُؤخذ منه. – "سعود عبدالحميد مثلًا" – وتُرفض مطالبه التصحيحية. – نيمار مثلًا – المستحقة بأي عذر وبلا عذر أحيانًا. وبالتالي، كان لا بد أن تتوقف نجاحاته وتضعف قدراته ويُعاق تطوره. من هنا، أخذت المنافسة منحى جديدًا كان هو الأقل حظوظًا فيه، وزادت الأمور تعقيدًا وسوءًا بعد تعرضه لموجة إصابات متلاحقة ضربت أهم نجومه وبشكل متصل، فبمجرد عودة نجم كبير ومؤثر من الإصابة، يسقط مباشرة نجم آخر، ليواصل الفريق مشاويره المحلية والقارية تحت النقص والرفض، لدرجة أنه لم يلعب مباراة واحدة طوال الموسم الحالي بتشكيلته المثالية. وأمام هذه العوائق والعقبات الداخلية والخارجية، كان من الطبيعي أن يفقد الكثير من قواه، وبالتالي سطوته على الميدان في المباراة، وتصبح حظوظ الفريق المقابل في التعادل أو التغلب عليه أقوى. ومع أول نزف طبيعي للنقاط، كان من الطبيعي أيضًا أن تختلف أجواء غرفة الملابس من حيث الضغط والتوتر والقلق، فتُشكّل عاملًا إضافيًّا يُثقل كاهل الأجهزة الفنية والإدارية، ويزيد تأزم الموقف. أمام هذا، ومع كل نقطة يفقدها الفريق، كانت الأمور تزداد تعقيدًا، وتقل الثقة، ويبدأ الصبر في النفاد. وجاءت النتائج السيئة أمام المنافسين لتُشعل نيران سخط جماهيري، كلما بدأت تخبو، وجدت من يسارع لصب مزيد من الزيت عليها، مرة يكون صديقًا، ومرات من الخصوم. وهنا سنتحدث عن النيران الصديقة، لأن لا جديد سيقال لو تحدثنا عن الخصوم وأفاعيلهم وأهدافهم، فكل شيء معروف ومتوقع. لكن غير المعروف وغير المتوقع، وما يستحق فعلًا الوقوف عنده ومحاولة الإضاءة على خطورته ومدى تأثيره ونوعية أثره، هو هذا الانفجار الجماهيري المبرر في حجمه والمفهوم في تنوع مصادره. وغير المبرر، ولا المقبول، ولا المنطقي، ولا العقلاني في مطالبات بعض فئاته، والذي أصبح أشد فتكًا من نار الخصوم، هذا السخط المتمثل في ردود الفعل المتصاعدة والمتسارعة سار في اتجاهين: الأول: يتمثل في المطالبات بتصحيح الوضع ومعالجة الخلل مع استمرار الوقوف مع الفريق، وعدم القفز به من الواقع إلى المجهول، ومناقشة الأخطاء بموضوعية ووفق الممكن والمتاح وما يُستطاع. أما الاتجاه الثاني: فكان التطرف في أوضح صوره، حيث المطالبة باقتلاع البناء من جذوره، وعدم قبول أي دعوة للترميم أو محاولة للإصلاح، باعتبار أن كل من له علاقة بالفريق أصبح جزءًا غير صالح للعمل فيه. من السمات المشتركة للاتجاهين: إصرار كل طرف على أن قناعاته واجبة التنفيذ دون النظر لأي اعتبار آخر. ومن هنا، تحول عدد لا يُستهان به في كلا الاتجاهين إلى خصم شخصي للآخر، وانصبت معظم جهودهم في تسفيه أو التقليل من قيمة آراء بعضهم، وتراجع نقاش أحوال الفريق إلى المرتبة الثانية في الأهمية، تاركة المرتبة الأولى للبحث عن كيفية إلغاء الآخر أو على الأقل تسفيهه. واختُرعت من قبل كل طرف تصنيفات وتسميات جوفاء فارغة لا تصب في مصلحة أحد، ولا تخدم القضية التي كان يُفترض أن تكون الهم الأول، ولا تمنح النقاش حدًّا أدنى من الوجاهة أو القيمة. وأصبح المشهد مملًّا، بل وسخيفًا جدًّا، ولا يليق إطلاقًا بجماهير يُضرب بها المثل في نوعيتها فكرًا ودعمًا، شكلًا ومضمونًا، كمًّا وكيفًا. ولأن هذا واقع مرّ وغير صحي ولا مفيد، فإنني ومن وجهة نظر خاصة أرى أن علينا إعادة الهلال لمركز الضوء بحيث يصبح محور النقاش ومركز الاهتمام. أما كيف يكون ذلك؟ ففي اعتقادي يفترض أن يتم النقاش وفق الآتي: تحري الدقة والموضوعية إلى أقصى حد في عرض المشكلة وأسبابها. عدم اللجوء إلى أقوال وأحداث غير دقيقة أو لم يتم التأكد منها وطرحها كمستندات حقيقية لتعزيز الرأي أو إضفاء القيمة عليه. الاستعداد الشخصي، وبلا أي خلفية، وبانفتاح كامل لسماع الآخر والتنازل عن بعض القناعات في حال تقديم الآخر لمعلومة تؤكد عدم صحة الأسباب التي ولّدت هذه القناعة. التعامل بناءً على أن معظم ما طُرح حتى اليوم – ومن الجميع تقريبًا – حول أسباب تردي أحوال الفريق لا يعدو كونه آراء شخصية تحتمل الصواب والخطأ، وأن لا أحد يملك الحقيقة سوى أولئك الذين يملكون المعلومة الصحيحة، وهم فقط الموجودون داخل منظومة العمل والقريبون جدًا من الفريق. الوقوف مع صاحب القرار لأنه المسؤول والمساءل عن كل ما يحدث، والوقوف يعني طرح الرأي ثم احترام القرار والوقوف معه سواء كان موافقًا لرأيك أو على النقيض منه، ففي النهاية القرار هو الذي سيتم العمل وفقه، وليس رأيي أو رأيك، وصاحب القرار هو الذي سيُحاسب، وليس أنا أو أنت، وهنا يجب أن يتغلب التوازن والعقل على الهوى والرغبة. فإن لم يكن قرار الرئيس أو المدرب متماشيًا مع ما نراه، فليس من المنطق أن يكون رد الفعل انتصارًا للذات، وإصرارًا على الرأي، وقتالًا حتى النهاية لفرضه أو رفض كل شيء واقتلاع كل شيء من جذوره. الجميع يرحلون ويبقى الهلال، ورفضك الشخصي لقرار ومطالبتك برحيل صاحبه لا يدعو لتخليك عن دعم فريقك في هذه المرحلة المهمة، وإعلانك الحرب حتى النهاية على مسيّريه، فالخاسر هنا هو الهلال، وليس الرئيس أو المدرب. والواقع اليوم يقول: الرئيس باقٍ حتى نهاية الموسم، وكذلك المدرب، لذا فإن استمرار مهاجمتهم والمطالبة برحيلهم لن يؤدي إلا لمزيد من التوتر والتشتت والضغط على الفريق ومسيّريه. ما سلف موجّه للعقلاء الصادقين مع هلالهم، الذين عرضوا آراءهم بلغة محترمة، والذين يؤمنون بأن رأيهم يحتمل الصواب والخطأ، وعلى استعداد للتعامل مع وضع الهلال وفق الواقع المشاهد على الأرض. أما من يتناقلون أي رأي أو معلومة تمس الهلال باعتبارها حقيقة، ويبادرون لتسويقها دون تروٍ ولا بحث، ويُصدرون أحكامهم بناءً عليها، والذين يرون أن رأيهم حق يجب العمل به أو فليذهب الجميع للجحيم، والذين يرفضون أي بادرة إصلاح إذا كانت تتصادم مع مصالحهم الخاصة، سواء كانت مادية أو معنوية، والذين ينضوون تحت شعار (لا أريكم إلا ما أرى)، وأصحاب نظرية (عنز ولو طارت)، والذين يرفضون الإقرار بالممكن والمستطاع، ويطالبون بما لا يُستطاع وما هو فوق الطاقة ولا يمكن تحقيقه، فكل ما مضى لا يعنيهم، وليس موجهًا لهم. الهلال أنت وأنا، هكذا يجب أن نفكر ونتعامل كهلاليين. أما من يفكر ويتعامل وفق: الهلال أنا، وأنا الهلال، فهو إما جاهل فعلّموه، أو مغرور فتجنّبوه.