في كُل نافذة مشبعة بالغبار وكُل جدار متآكل هُناك حكاية تنتظر أن تُروى، وفي الزوايا العتيقة، وبين جدران حملت صدى المصلين لوقتٍ من الزمن وعبر عصورٍ تتابعت هُناك حيثُ يتقاطع الإيمان مع التاريخ في قلب رؤية 2030 يأتي مشروع الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- لتطوير المساجد التاريخية، كجسر متين يربط الماضي القديم بالحاضر المتجدد محافظاً على التراث الإسلامي والهوية الثقافية والدينية ويكون التزام مملكتنا الغالية بحفظ هذه الهوية. حقيقة أن انطلاق مشروع الأمير محمد بن سلمان لم يكن مجرد ترميم للأبنية، بل إعادة نبض الحياة إلى أوعية الزمن، نعم هكذا عندما تُعاد المساجد التاريخيّة القديمة فهي لا تعود مجرد بناء بل شهادة لهذا المكان تماماً كما يفعل الإنسان مع إيمانه في كل مرة يكتشف نفسه من جديد. إن المرحلة الأولى لهذا المشروع شملت تطوير 30 مسجداً تاريخياً في 10 مناطق في المملكة في مدة 432 يوما. لم يكُن هذا الترميم مجرد إصلاح عابر، بل مشروع مختلف يرتكز على جهود شركات سعودية متخصصة في تأهيل المباني التراثية، وبأيد مختارة من مهندسين سعوديين لضمان العمرانية الأصلية، ما رأيته وسمعته وقرأته، عن الدراسات وأعمال التوثيق للأبعاد المعمارية والتاريخية للمساجد قبل البدء وفي أثناء مراحل الترميم، من مراعاة للتفاصيل الدقيقة لم يكن عادياً. فكان لمسجد (العودة) في محافظة الدرعية بمنطقة الرياض نصيباً رائعاً لا يقل عن بقية المساجد الأخرى ضمن جهود التطوير، يُعد هذا المسجد من المساجد التاريخية القديمة في المنطقة الذي كان مبنياً من طين ويقوم على سبعة أعمدة، وخلوة سفلية، خضع هذا المسجد إلى ثلاث عمليات ترميم لإعادته لسابق عهده شكلاً ومضموناً، وعمل المشروع على تجديده ليبرز الإرث العمراني الذي يميزه مستخدماً تقنيات بالطين وتوظيف المواد الطبيعية لجعله قادراً على التكيف مع المناخ الصحراوي الحار، وأيضاً تم زيادة مساحة المسجد من 694 م إلى 1369 م لترتفع الطاقة الاستيعابية من 510 مصلين إلى قرابة 1000 مصل. ومن هناك يأخذنا هذا المشروع إلى مسجد (بني حرام) في المدينةالمنورة مشاهدة آخر على ولادة ترميم جديد منتقلاً من تاريخ نجد إلى عمارة إسلامية ولحظات لامستها النبوة حيثُ صلى سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فيه في غزوة الأحزاب. ومنه إلى مسجد ( الفويهي) في سكاكا شمال المملكة استعاد فيه المشروع طراز هذا المسجد الأصيل بتظليل من عُشب الأثل وجريد النخل. كل ذلك ارتبط باستدامة البناء والترميم فكان لها دوراً جوهرياً في هذا المشروع باستخدام المواد المحلية والتقنيات التقليدية المتطورة التي صنعت هذا الجمال. كُل ما كتبته لم يكن إلا قليلا من كثير فهذا المشروع لا تحيط به الكلمات ولا تسعه مقاله لأنه لم يكن إعادة بناء، بل إحياء ذاكرة مكان وامتداد لجذورنا في هذه الأرض المباركة، لقد مُنحنا شعورا عظيما بالفخر والاعتزاز ليس كأبناء لهذا الوطن فقط، بل كورثة لهذا الإرث العريق، بتوجيهات قادة رسموا للمستقبل ملامح تستلهم الأصالة وتعتمد على التمكين. أشكال البناء في المساجد على طراز السراة تطوير مسجد المسقى ضمن مشروع ولي العهد لتطوير المساجد التاريخية نجلاء الربيعان