دخلت التعريفات الجمركية العالمية الجديدة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب حيز التنفيذ يوم السبت الفائت، وفرضت الحكومة الأميركية تعريفات جمركية عالمية بنسبة 10 % على الأقل على الواردات من جميع دول العالم. وسيجري فرض تعريفات عقابية أعلى كثيراً على بعض الدول، اعتماداً على العجز التجاري. وتواجه الواردات من ألمانيا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي إلى الولاياتالمتحدة تعريفة جديدة بنسبة 20 % اعتباراً من يوم الأربعاء المقبل. وهذه الخطوة هي الأكثر عدوانية حتى الآن في سياسة ترمب التجارية العدائية بالفعل. وقال خبراء الاقتصاد إن المستهلكين الأميركيين سيواجهون زيادات كبيرة في الأسعار، إلا أن المستهلكين في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم سيشعرون أيضاً بالضغط. وتضاف هذه الرسوم التي دخلت حيز التنفيذ صباح السبت في الساعة 4,01 ت غ إلى الرسوم الجمركية التي سبق أن فرضها ترمب. غير أن بعض المنتجات معفية منها في الوقت الحاضر، وهي النفط والغاز والنحاس والذهب والفضة والبلاتين والبلاديوم وخشب البناء وأشباه الموصلات والأدوية والمعادن غير المتوافرة على الأراضي الأميركية. كما أن هذه الرسوم لا تطبق على الصلب والألمنيوم والسيارات المستوردة التي سبق أن فرض عليها ترمب رسوما بنسبة 25 %. وكندا والمكسيك غير معنيتين بالرسوم الجديدة، غير أن هذين البلدين يدفعان ثمناً باهظاً لسياسة ترمب الاقتصادية إذ يخضعان لرسوم منفصلة بنسبة 25 % على منتجاتهما. ومن المتوقع أن تشتد الوطأة على التجارة العالمية في التاسع من أبريل مع فرض رسوم إضافية على قائمة طويلة من البلدان التي تصدر إلى الولاياتالمتحدة أكثر مما تستورد منها، ولا سيما رسوم بنسبة 54 % على الصين و20 % على الاتحاد الأوروبي و46 % على فيتنام و26 % على الهند و24 % على اليابان. وحذفت من قائمة الدول المستهدفة جزر سان بيار إيه ميكلون الفرنسية التي أعلن البيت الأبيض فرض رسوم بنسبة 50 % عليها، وجزر هيرد وماكدونالد الأسترالية غير المأهولة سوى من طيور البطريق، بعدما أثار ورودها على قائمة الدول المستهدفة الذهول والسخرية حيال النهج المتبع من الإدارة الأميركية. خسائر بآلاف مليارات الدولارات وأبدى مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية الجمعة قلقه لإدراج أفقر دول العالم على القائمة. وأشارت المنظمة الدولية إلى أن الدول الأقل تقدماً والدول الجزرية الصغيرة النامية غير مسؤولة سوى عن 1,6 % و0,4 % على التوالي من العجز التجاري الأميركي، موضحة أن هذه الدول "لن تساهم لا في إعادة التوازن إلى الميزان التجاري ولا في در عائدات تذكر". وشكل إعلان ترمب الأربعاء عن هذه الرسوم التي بررها بضرورة سد العجز في الميزان التجاري، صدمة للاقتصاد العالمي. وبحسب خبراء الاقتصاد، فإن الحواجز الجمركية المعلنة ستكون بالمستوى الذي كان قائماً في ثلاثينات القرن الماضي في الولاياتالمتحدة، في وقت كانت التدفقات الجارية أقل حجماً بكثير والدول أقل اعتماداً على إنتاج بعضها البعض. وبمواجهة رد الصين التي أعلنت فرض 34 % من الرسوم الإضافية على المنتجات الأميركية اعتبارا من 10 أبريل، والمخاوف من دخول الاقتصاد العالمي في دوامة سلبية، انهارت الأسواق المالية. وفي غضون يومين فقط، تكبدت سوق الأسهم الأميركية خسائر فادحة تخطت 6 تريليونات دولار من القيمة السوقية، وفقا لمؤشر داو جونز. لكن الرئيس الأميركي أكد الجمعة عبر منصته "تروث سوشال" أن "سياساتي لن تتغير أبداً"، مضيفاً "هذا هو الوقت المناسب لأن يصبح المرء ثريا، أثرى من أي وقت مضى". كما حض رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول على خفض معدلات الفائدة معتبرا أن الوقت "ملائم" لذلك بعد التراجع المسجل في أسعار بعض المنتجات ولا سيما النفط والبيض منذ عودته إلى السلطة في يناير. وبعد دقائق عرض باول صورة قاتمة لآفاق الاقتصاد الأميركي في ظل الرسوم الجمركية، متوقعا زيادة التضخم وتراجع النمو وارتفاع البطالة. الرسوم الجمركية سلاح أميركي نادراً ما أتى بثمار ووفقاً ل(زاوية) لا تشكل الرسوم الجمركية التي أقرها دونالد ترمب مؤخرا على باقي العالم سابقة، إذ عمدت الولاياتالمتحدة بانتظام عبر تاريخها إلى فرض رسوم مشددة حققت نتائج غير مقنعة في غالب الأحيان، لا بل كارثية أحيانا. وكتب دوغلاس إروين أستاذ الاقتصاد في جامعة دارتموث على إكس "لدينا رئيس من القرن العشرين في اقتصاد من القرن الواحد والعشرين، يريد أن يعيدنا إلى القرن التاسع عشر". وسجل القرن التاسع عشر العصر الذهبي للرسوم الجمركية في الولاياتالمتحدة، مع اقتراب معدل النسبة المفروضة مراراً من عتبة 50 %. وكانت الولاياتالمتحدة في تلك الحقبة لا تزال تتبع عقيدة اعتمدت منذ نشأة البلد، تدعو إلى حماية الاقتصاد الأميركي إلى حين انتظامه خلال مرحلة التصنيع. وأوضح كيث ماسكوس الأستاذ في جامعة كولورادو أن "الدراسات المعمقة لتلك الفترة تظهر أن الرسوم الجمركية ساعدت إلى حد ما في حماية تطور الصناعة". لكنه أضاف أن "العاملين الأهم في ذلك كانا الوصول إلى اليد العاملة الدولية والرساميل، التي كانت تتدفق إلى الولاياتالمتحدة في تلك الفترة". وإلى هذه العناصر، قال كريستوفر ميسنر الأستاذ في جامعة كاليفورنيا في ديفيس لوكالة فرانس برس إن "السبب خلف قيام قطاع صناعي مزدهر في الولاياتالمتحدة كان وصولنا بصورة واسعة إلى الموارد الطبيعية" كالفحم والنفط وخام الحديد والنحاس والخشب. وأعلن دونالد ترمب عند توليه الرئاسة في يناير "كنا في ذروة ثروتنا بين 1870 و1913". وغالبا ما يستشهد الرئيس الجمهوري البالغ 78 عاما بالرئيس الأسبق وليام ماكيني الذي كان خلف أشد قانون على صعيد الرسوم الجمركية أقر عام 1890. غير أن هذا القانون لم يمنع الواردات من مواصلة نموها خلال السنوات التالية. وحتى بعد تخفيض الرسوم الجمركية عام 1894، بقي حجم المنتجات المستوردة من الخارج أدنى من المستويات العليا المسجلة سابقا. الكساد الكبير وكتب الأستاذ في جامعة هارفارد جورج رورباك عام 1929 "منذ نهاية الحرب الأهلية (1865) التي كانت الولاياتالمتحدة خاضعة خلالها بشكل شبه متواصل إن لم يكن متواصلا لنظام حماية، توسعت تجارتنا الاستيرادية بشكل هائل". وتابع أنه خلال تلك الفترة التي امتدت لأكثر من ستين عاما "تبدو التقلبات المسجلة (في الواردات) ناتجة بشكل رئيس عن عوامل أخرى غير الارتفاع والانخفاض في مستوى الرسوم الجمركية". وبعد عام في 1930، عادت الولاياتالمتحدة وشددت الرسوم الجمركية في عهد الرئيس الجمهوري هربرت هوفر بموجب قانون "سموت هاولي" الذي "يذكر بصورة خاصة لتسببه بنشوب حرب تجارية عالمية وبتفاقم الكساد الكبير"، بحسب مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية. وقال كيث ماسكوس إن "ما تسبب بالكساد الكبير وزاد حدّته وجعله يستمر لهذه الفترة كان مجموعة من العناصر المتداخلة، لكن زيادة الرسوم الجمركية من بينها". ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت حقبة جديدة مع إبرام 23 دولة بينها الولاياتالمتحدة عام 1947 الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات الجمركية (غات) التي أوجدت الظروف الملائمة لنمو التجارة الدولية بفضل رسوم جمركية معتدلة. واستمر هذا التوجه في التجارة مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) مع المكسيك وكندا والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1994، تلاها إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995 وتوقيع اتفاقية تجارة حرة بين الولاياتالمتحدة وعدد من دول أميركا الوسطى في 2004. وخلال ولايته الأولى، أعاد ترمب تفعيل سلاح الرسوم الجمركية ففرض إجراءات مشددة على الصين أبقى خلفه الديمقراطي جو بايدن على القسم الأكبر منها. لكن العجز التجاري الأميركي وواردات المنتجات الصينية واصلا التنامي حتى العام 2022، قبل أن تسجل الصين تباطؤاً شديداً في اقتصادها غير مرتبط بالرسوم الجمركية. وقال كيث ماسكوس إن "هذا يثبت أن (الرسوم) قلما كان لها تأثير على الواردات"من الصين.