لطالما اعتمدت الدراما السعودية على "اللهجة البيضاء"، لضمان وصول الأعمال إلى جمهور واسع دون عوائق لغوية، إلا أن رمضان هذا العام شهد تحولًا لافتًا، حيث كسرت الأعمال الدرامية هذا التقليد وبرزت اللهجات المحلية بشكل غير مسبوق. لم تكن هذه اللهجات مجرد إضافة شكلية، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من السرد الدرامي، كما في "شارع الأعشى" الذي قدم اللهجة النجدية كنافذة تعكس روح المكان وزمنه، و"الزافر" الذي سلط الضوء على لهجة الجنوب الغائبة عن المشهد الدرامي لفترة طويلة، و"جاك العلم" الذي أعاد تقديم اللهجة البدوية كعنصر أصيل في الحاضر. هذا التحول أثار نقاشًا حول تأثيره على تجربة المشاهدة، خاصة للمشاهدين الذين اعتادوا على اللهجة البيضاء، حيث شكلت بعض المشاهد تحديًا لغويًا يتطلب تركيزًا أكبر لمتابعتها. ورغم الإشادة بالخطوة، إلا أن استخدامها لم يكن سهلًا أو سلسًا، حيث واجه بعض المشاهدين صعوبة في التكيف مع هذا التغيير، مما يطرح تساؤلات حول مدى استمرارية هذا الاتجاه في المستقبل. تؤكد الدكتورة رقية الدباسي، المتخصصة في اللغة العربية وآدابها، أن هذا التنوع اللغوي ليس مجرد خيار درامي، بل هو جزء من حقيقة اجتماعية وثقافية. فالمملكة تحتضن أكثر من 60 لهجة رئيسة، تتفرع منها مئات اللهجات الفرعية التي تتباين وفقًا للجغرافيا والتاريخ والقبائل. وتوضح أن هذا التنوع لم يكن دائمًا حاضرًا في المشهد الإعلامي، حيث هيمنت لهجة واحدة على الأعمال الدرامية لعقود، مما جعل الجمهور يعتاد عليها كلغة افتراضية تمثل الجميع. وترى الدباسي أن استخدام اللهجات المحلية قد يكون خطوة جريئة تحتاج إلى وقت حتى تصبح مألوفة، لكنها تشدد على أن هذه الخطوة ليست مجرد إضافة شكلية، بل هي انعكاس للحياة الواقعية. فكل منطقة في المملكة تمتلك خصوصيتها اللغوية، وليس من المنطقي أن يتم تجاهل ذلك في الأعمال الدرامية. وتستطرد "لا يمكن فصل اللغة عن الهوية، فهي ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي وعاء يحمل القيم والتقاليد والذاكرة الجماعية. ولعل أحد أكبر التحديات التي تواجه اللهجات المحلية في المملكة هو خطر التلاشي مع الأجيال الجديدة التي أصبحت تعتمد أكثر على اللهجة البيضاء في حياتها اليومية، متأثرة بالإعلام والمدارس التي تجمع طلابًا من مختلف المناطق، مما يؤدي إلى ذوبان الفروقات اللغوية. وتشير الدباسي إلى أن هناك ظاهرة عالمية تُعرف باختفاء اللهجات المحلية لصالح لغات أكثر انتشارًا، لكنها تؤكد أن الوضع في المملكة لا يزال مختلفًا، إذ إن كثيرًا من اللهجات لا تزال صامدة بفضل الارتباط القوي بالمجتمع والتقاليد. لكنها تحذر من أن غيابها عن الإعلام لفترة طويلة، قد يسرّع من تراجع استخدامها بين الأجيال الناشئة. فتيات مسلسل «شارع الأعشى»