اجتمع شرف المكان والزمان في المؤتمر الدولي: "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في هذا الشهر الفضيل جوار البيت الحرام، وزاد هذا الشرف شرف الغاية النبيلة والسامية التي جاءت في كلمة معالي أمين عام الرابطة، الشيخ محمد العيسى، عندما أكد: "أنَّ مظلة الإسلام واحدة، وأُخوّته قائمة، وأنَّ المُشتَرك واسع". يميز مشاريع رابطة العالم الإسلامي تحت قيادة الشيخ العيسى عن غيرها من المشاريع أنها جامعة، هدفها منذ انطلاق رؤيتها الجديدة توحيد الكلمة، وعقد المؤتمرات والمبادرات الإسلامية والدولية التي تحاور الآخر وتحتوي اختلافه... بينما من المؤسف أن نرى بعض الدعوات التي لا تقوم على بناء الأواصر والاجتماع، بقدر قيامها على التصنيف والتحزب والتشرذم؛ فبدلاً من أن تضيف لبنة، نراها في مؤتمراتها وبياناتها تلغي الآخر وتهدم بناءً قائماً، لمجرد أن تبدأ من جديد بادِّعاء مشروع جديد، هو للمتابعين ليس إلا تتمةً لما يحدث وحدث من جهود في جوار بيت الله العتيق. ولا شك أن نجاح هذا المؤتمر ما كان ليكون لولا إدراك الحضور لحقيقة أن الأعمال لا يمكن أن تبلغ الصدق والتأثير إلا بالتحلل من فكر الطوائف والفرق، والزهد في التصدُّر والتموضُع إلى التواضع، والترفع عن نزعات النفس والشياطين.. وهذا سلوك المسلم البسيط، فما بالك بالعالم المؤتمن على وحدة الأمة واجتماع كلمتها! وبالتأكيد الجميع له الحق في المشاركة في البناء والاجتهاد، لكن ليس من اللائق بأهل العلم وطلبته أن يكون اجتماعهم إلا اجتماع سعةٍ ووحدةٍ وانفتاحٍ على الجميع، حيث فشلت وستفشل كل محاولات "الفسططة" والتفرقة بين المسلمين، كما حدث مع كل التجارب المتطرفة السابقة، وليس من الحكمة أن نعيد الأمة إلى تلك التجارب ونكرر أخطاء الماضي. لقد جسَّد المؤتمر بحضوره العلمائي الرفيع حكمة الإسلام وسعته، ووضع أسس تنسيق المواقف والجهود في ميدان العمل بين قوى الاعتدال الإسلامي باختلاف مذاهبهم وطوائفهم، لما فيه خير الأمة الإسلامية وخدمتها، ومواجهة قوى التطرف والغلو. وأحسنت الرابطة بمواصلة جهودها لجمع علماء الأمة، منذ "وثيقة مكةالمكرمة" التاريخية حتى هذا المؤتمر الدولي؛ الذي جدد التأكيد على أهمية احترام وجود التنوع الإسلامي، والتعامل في مسائل الخلاف ضمن الأُطر الإسلامية المؤصَّلة على أدب الخلاف، وعدم الانجرار إلى مزالق التكفير ومخاطر التناحر والتنابز.