فقه المناسبات يحث الإنسان على انتخاب الأنسب للمناسبة، وشهر رمضان شهر القرآن والصلاة، ومنهما نجمع بين الأصلين: سورة «الفاتحة» هي فاتحة القرآن، والسبع المثاني، وفاتحة الأعمال القولية والفعليّة، فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. فبين سورة «الفاتحة» و»الصلاة» وشائج: فكلاهما أوّل العبادات بعد الشهادة، إذ مفتتح «القول الثقيل» وهو القرآن الكريم: الفاتحة، ومفتتح «العمل الثقيل» وهي العبادات عامة «الصلاة»، فهما الأصلان، وقد جُمعا معاً، فأول «قول ثقيل» في الصلاة (العمل الثقيل) هو: الفاتحة. ومن هذه الجهة عدّ عبدالحميد الفراهيّ -رحمه الله- الصلاة أصل الأحكام، التي زاد التعريف بمقامها بأصل القرآن، وهي الفاتحة. والفاتحة أولها «الحمد»، واللام فيها للاستحقاق والاستغراق والاختصاص، أمّا الاستحقاق فالمستحق للحمد لذاته هو الحق سبحانه وتعالى، وللاستغراق؛ لاستغراق جميع أنواع المحامد، وللاختصاص، فلا أحد يختص باستحقاق الحمد مع استغراق كل المحامد إلا الله جلّ جلاله، وتعالت ذاته، وتقدّست أسماؤه. أسس العبادات: والفاتحة بالنسبة للقرآن جهات نظامه، فهي «ديباجة القرآن وجامعة لعلومه»، كذا الصلاة جامعة لجهات العبادات في الإسلام، جمعاً بين الظاهر والباطن، بين الفردي والجماعي، بين اليومي والموسميّ. وجهة «جامعة لنظام القرآن»، فالقرآن يبدأ بالفاتحة، وأصول الإسلام فيها، وجامعة لمعاني القرآن، كذا الصلاة جامعة لنظام العبادات، فأركان الإسلام تبدأ بها -بعد الشهادتين-، والركن الفارق بين الإيمان والكفر، والجامعة لمعاني العبادات، وهي التي شُرعت في السماء، وعلّمت بسند متصل من السماء، وتعليمه في الأرض من قِبل جبرائيل خير رسل السماء عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم خير الرُسل قاطبة؛ لأنها أول حكم على الإنسان، إن صلحت أفلح، وإن لم تصلح فقد خسر وخاب، فهي الصلة بين السماء والأرض، والعاجلة والآجلة. تقلبات الأيام: وأضيف، ارتبطت أذكار الصباح والمساء بالتذكير بالحمد، كذا الصلاة ارتبطت في أوّل النهار، وأول الليل، فأوّل تحوّلات الملكوت وآيات الليل والنهار ترتبط بالذكر والحمد والصلاة، وأولى الشرائع الصلاة، وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة، وليالي رمضان تزدان بنوع صلاة موسميّة، وتلهج الألسن بذكر الله والثناء عليه. وبالحمد تثني على الله عند السراء، وبالحمد على كل حال تذكر الله عند الضرّاء، كذا الصلاة تشرع للشكر، وتشرع عندما يشتدّ أمر على الإنسان، ففي الشكر هي ثناء وزيادة محبة لله سبحانه، وفي الصبر هي تصبّر واستعانة «واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين». إن حياة تبنى على «الصلاة» و»الحمد»؛ حياة لا انقطاع فيها لدوام الصلة، ولا ظلام يغشاها لدوام النور، ولا فحشاء تنتهبها لاستقامة الوجه نحو الحي القيوم سبحانه، ولا كدر يوحشها لدوام الأنس بالرحمن الرحيم، وكل الفلاح في مآل طريق نحو الله سبحانه وتعالى. هي أحق ما يتطلّب منّا دوام العناية، والترقّي، وجعلها هدف الحياة الأول والمقدّم، لأنها مفتاح السعادة في الدارين، والقيام بين يدي الحق سبحانه فيهما.