كثيراً ما نسمع عن الاحتراق الوظيفي في بيئة العمل، وكُتب في ذلك كثيراً، وقد لفت نظري مؤخراً في بحث مميز تناقشنا بخصوصه يجريه أحد الزملاء أعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك سعود حول مفهوم إداري ينزع كثيراً للجانب النفسي التربوي في تركيبته وتوصيفه وهو مفهوم عرفه في بحثه ب»الصمت التنظيمي» (Organizational Silence) تلك الظاهرة التي تمنع الموظفين من التعبير عن آرائهم في بيئة العمل، إما بسبب الخوف من نتائج التعبير أو لاعتقادهم بأن آراءهم لن تؤخذ بعين الاعتبار بسبب ثقافة العمل القمعية أو نقص في قنوات الاتصال الفعالة أو انقطاعها تماماً، يؤدي ذلك إلى هبوط حاد في مستوى الإبداع والابتكار، وارتفاع في معدلات الاستقالة، بالإضافة إلى تأثيره السلبي المباشر على اتخاذ القرارات الإدارية وتحقيق الأهداف المخططة، وملامسة مؤشرات الأداء بشكل صحيح، ويتزامن مع حالة الصمت عزلة تامة عن أهداف المنظمة وتوجهاتها وتفقد الموظف بوصلة الاتجاه الصحيح، والإحساس بالشغف، وفيه يتجرد من المسؤوليات، ويشكك بقدراته أمام أي مشكلة في العمل، ويؤثر الصمت على أي نوع من أنواع المشاركة، فلا تجده في الاجتماعات السنوية، ولا في مناسبات المنظمة الخاصة ولا في الاحتفال بهدف أو نتيجة، وبالتوازي يصف المفهوم الآخر الاغتراب الوظيفي (Job Alienation) إحساس الموظف بانفصال عاطفي أو نفسي عن عمله، مما يجعله يشعر بعدم الارتباط ببيئة العمل بل يكره شعارها وكل ما يشير إليها، وتتجلى تصرفاته في مشاعر مختلطة من الإحباط، وفقدان الدافع ولا يجد قيمة لعمله وما يفعله، تجعله يفكر كل يوم بعذر جديد للتغيب وعدم الحضور، ويدخل في دوامة مستمرة تقاوم التحسين والتغيير، ولا يرى أهمية لأي مبادرة تطرح أمامه، يمكن أن يحدث هذا الشعور بسبب تسلط المديرين وحكمهم الدائم على الموظف بعدم الإنتاجية دون بحث السبب ولا إعطاء الفرصة، وقد تكون بسبب طبيعة العمل الروتينية، أو ضعف الفرص المهنية، والترقيات، أو غياب التقدير وهو الأهم من بين كل تلك الأسباب، هذا وقد يؤثر فتح باب الاستقطاب وخلط جيل الموظفين القديم بجيل موظفين جدد في المزيد من هذا الغربة، كل ما ذكر له انعكاسات خطيرة تتسبب في انخفاض الحافز والإنتاجية، وارتفاع في معدلات التغيب، والبعد عن تحقيق أي تطوير أو تحسين في نطاق الأعمال، ويكون الخطر عالياً عندما يكون الصمت أو الاغتراب معدياً فيشكل طاقة سلبية تتحرك من موظف الى موظف، لمواجهة هذه الظاهرة، يجب تعزيز بيئة عمل تشجع على الشفافية والتواصل المفتوح بين الإدارة والموظفين، وتوفر فرصًا للنمو والتطوير، وينكسر هذا الجمود بإشراك الموظفين في القرارات وإعطاؤهم الفرصة للمشاركة وسماع آرائهم وتطبيق توصياتهم، وتوفير دورات تدريبية، وفرص ترقية تشعرهم بالاهتمام ليخرج من حالة العزلة والصمت إلى المشاركة والفعالية، ومن الغربة وفقدان الشغف إلى الولاء والإنتاجية.