الأيام الوطنية مناسبة للتعبير عن الفخر والاعتزاز بالوطن، وترسيخ روح الانتماء في الأجيال الصاعدة، التي عليها أن تعرف أنَّ بناء الأوطان ليس أمرًا سهلاً، وإنما يحتاج إلى تضحيات جسيمة لا يقدر عليها إلا ذوو الهمم، والملهمون من أبنائها الأوفياء. ومن يتأمل في أسباب الاحتفال بيوم تأسيس الدولة السعودية يجد أنَّها ترتبط بتأكيد الاعتزاز بالجذور التاريخية للمملكة، وترسيخ الارتباط بين المواطن والقيادة، والاعتزاز بما بلغته الدولة من وحدة واستقرار في ربوعها المختلفة، التي تمتدُّ على مساحة شاسعة أقرب إلى قارة، وكذلك الفخر بمن جعلوا هذا ممكنًا بعطائهم المخلص، وتجاوزهم التحدِّيات الإقليمية والدولية في عهد كان يسوده الاستعمار، والاستبداد، ومحاولة الإمبراطوريات فرض سيطرتها على الشعوب والأمم المغلوبة على أمرها. لم تكن قيادة الإمام محمد بن سعود للتحوُّل في الجزيرة العربية سهلاً ويسيرًا، ولم تكن مهمَّة ابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد، ثم من بعده الإمام سعود بن عبدالعزيز، والإمام عبدالله بن سعود في إكمال مسيرة بناء الدولة بعيدة عن التحدِّيات، سواء تلك المتعلِّقة بطبيعة الصراع المحلي، الذي كان واقعًا يجري التعامل معه، من دون محاولة تغييره، أو تلك الأطماع الخارجية في فرض الهيمنة والسيطرة، من منظور ضيق، لا يراعي مصلحة الشعب، ولكنه يركز على نهب مقدراته، وزرع الفتنة في المجتمع، عملاً بسياسة فرق تسد. كان الأساس المتين للدولة السعودية، وتضحيات قيادتها، وإصرارها على تجاوز العقبات، وإرساء دعائم مجتمع مستقرٍّ، من أسباب استمرارها نحو قرن من الزمان، ثم استئناف الدولة دورتها ومسيرتها بعد ذلك، على يد قادة أوفياء لمبادئ الأجداد، حرصوا على استلهام الدروس والعبر منها؛ ليبسط الإمام تركي بن عبدالله وخلفاؤه من الأئمة هيبة الدولة على الأسس والمبادئ التي ورثوها، ليمضوا على النهج ذاته حتى تجسَّدت هذه المسيرة الظافرة في دولة عصرية ولدت من رحم المعاناة، والمكابدة، على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الذي سجل اسمه بأحرف من ذهب في قائمة القادة الملهمين في القرن العشرين، وإن كان إنجازه في تأسيس المملكة العربية السعودية غير مسبوق، في ظلِّ عالم يقوم على الاستقطاب الحاد في كل المراحل التي عايشها - رحمه الله - بدءاً من الحرب العالمية الأولى، مرورًا بالحرب العالمية الثانية، ثم الحرب الباردة، وظهور قطبين احتارت بينهما الدول، ولكن استطاع المؤسس بحكمته أن يبعد عن الانحياز لأي منهما، فكانت مصلحة شعبه المعيار، الذي يوجِّه سياساته. استمرَّ الملوك أبناء الملك المؤسس (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، رحمهم الله) على نهجه، الذي أرست دعائم الاستقرار والتنمية، لتعيش المملكة اليوم عهد الرؤية (رؤية السعودية 2030) برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومتابعة دؤوبة لمبادراتها الرائدة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد، ليسهم ذلك في نقلة نوعية جعلتها دولة لها ريادتها ومكانتها في مسار السياسة الدولية، ممسكة بقرارها، ومنتهجة سياسة تقوم على الاستقلالية، والمضي في تمهيد الطريق للأجيال المقبلة لتقطف ثمار ما تراكم من خبرات وجهود مخلصة على مدى ثلاثة قرون من التأسيس إلى الرؤية.