هُنا انطلقت الحكاية، وهُنا يتجدد الإبداع، ويتألّق التميز، ويصوغ الطموح ملامح المستقبل.. وهُنا الحياة في حراكها المستمر، رحلة تبدأ من الماضي والحاضر، ولن تتوقف حتى يتحقق كُل حُلم، قوة وثبات هو ما اتسمت به وثبات بلادنا، وقفزاتها العظيمة، مكانة سامقة حققتها بفضل من الله حيث أكرمها بأن جعلها قبلة المسلمين، ومهوى أفئدتهم، تلك المكانة التي أكدها المولى -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم بقوله: «إن أول بيتٍ وُضع للناس الذي ببكّةَ مُباركاً وهدى للعالمين»؛ فهو أول بناء بُني ولهُ مكانته في الأرض مما جعلها منطلقاً للنور الذي أضاء العالم. لنعلم وتترسّخ لدينا قناعة أكيدة ودائمة؛ أن هذه الأرض «المملكة العربية السعودية» برؤيتها من السابق إلى حاضر 2030 هي ليست مجرد اجتهاد فردي، بل جزء من مشروع حضاري شامل، في حين أننا نعلم أن الحضارات لا تُقاس بما تشيده من عمران ولا بما تحققه من اقتصاد، بل أيضاً ما تركته من أثر فكري ومعرفي، تعيد تشكيل الزمن به من غرس الوعي والقيم في الأجيال وذلك من خلال توظيف الهوية الثقافية وعلاقتها بالقيم الإسلامية والاجتماعية عبر الوسائط المختلفة في الكثير من الأعمال الفنية والأدبية والمسرح والسينما وغيرها الكثير.. لذا فإن دور الفنون كمكون أساسي للهوية وجعلها حاضرة على خارطة الإبداع العالمي.. هو التحدي الحقيقي لأي أمة، والمملكة العربية السعودية اليوم حققت هذا الدور والتوازن الرائع. حيثُ نجد الفكر الأدبي يتناول قضايا معاصرة بعمق مستمد من جذور التراث، والفنون تُستلهم من روح الصحراء والقيم العريقة والعمارة تأخذ ملامحها من الطراز النجدي والحجازي، وألوانها من القط العسيري، لأنها ليست ألواناً فقط بل رموز لهوية متجددة، تروي حكايات الأجداد بلغة الفن واللون. لقد قدمت لنا المملكة مسارات فكرية جديدة تجاوزت الحدود المحلية إلى الفضاء العربي والعالمي، لقد كان من أبناء هذا البلد رموزاً عملاقة كغازي القصيبي -رحمه الله-، وعبدالله الغذامي ورجاء عالم وغيرهم الكثير، لقد تجاوز هؤلاء وغيرهم الأطر التقليدية للسرد، ليخوضوا في قضايا الإنسان والفكر والهوية بأساليب حديثة. وتجلت الأوجه الحضارية أيضاً للصالونات الأدبية في عدة جوانب أهمها تمكين المرأة ثقافياً في كثير من الصالونات الأدبية للمشاركة في الحوارات الثقافية. لم تكن الرواية السعودية يوماً تقتصر على واقع محلي، وها هي اليوم أصبحت صوتاً عربياً في المحافل الأدبية الكبرى كرجاء عالم التي فازت بجائزة «بوكر العربية»، وما نشهده هذه الأيام من عناية لافتة للرواية في «مهرجان الدرعية للرواية» فهو ملتقى حيوي لعشاق الأدب، حيث يضم معرضاً كبيراً لكتابة الروايات، وورش عمل متخصصة يقودها روائيون ونقاد ومتخصصون. نعم، هذه هي المملكة العربية السعودية التي طالما كان الفن لديها انعكاس لحيوية المجتمع، لقد أصبحنا نصنع هذا الفن كخطاب بصري يجدد فهمنا في معارض عالمية مثل «بينالي الدرعية «، ومبادرات مختلفة «كجودة الحياة « الذي يسعى في دعم الفنون وإطلاق مشروعات مثل مدينة الثقافة والفنون في الدرعية التي ستصبح مركزاً للفكر والإبداع السعودي. فقد شهدنا تحولاً من إنتاج محدود إلى صناعة متكاملة تُنافس عالمياً وتجاوزنا كُل ذلك إلى الحضور المحلي وأصبح جزءًا من المشهد السينمائي العالمي، لأنها حقيقة في نظر كل سعودي وسعودية أن السينما ليست مجرد ترفيه، إنما أداة تعبير حضاري يعكس التحول الثقافي العميق ولقد سعدنا طفرة استثنائية، حيثُ باتت الأفلام السعودية تنافس على جوائز عالمية مثل فيلم «المرشحة المثالية» لهيفاء منصور، الذي عُرض في مهرجان البندقية. في النهاية، المملكة العربية السعودية هي كيان حضاري يُعيد نفسه من خلال الفن والأدب التي في رأيي إنهما نبض الحضارة، ومن خلالهما ترسم أي أمة ملامحها الثقافية بكل ما تحمله من أصالة وحداثة ورؤية تتجاوز الزمن. حياكة السدو إرث عريق نجلاء الربيعان