منذ شيوع ما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة، شهد العالم تطورات وتغيرات تقنية هائلة أنتجت منتجات عدة كان من أبرزها: الذكاء الاصطناعي الذي لم يقتصر على المجال التقني، أو الرقمي ليصبح موجودًا في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وهذا الوجود ليس وجودًا عرضيًا، بل مؤثرًا وعاملًا مغيرًا في حياتنا. ولم تكن المملكة بعيدةً عن الحراك العالمي في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ فعملت في هذا المجال بشكل استباقي من خلال تبني رؤية المملكة 2030 الذكاء الاصطناعي والاستثمار فيه، واستهدافها تعزيز الاقتصاد غير النفطي وتوظيف التقنيات المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي من أجل تحقيق التنمية المستدامة، ومايميزها بالاستباقية عندما تعاني العديد من الدول من محاولات التكيف لكننا في المملكة من خلال النظام المرن الذي قامت به الجهات المعنية وجهود بناء البنية التحتية الرقمية والاستثمار في البحث العلمي والابتكار التقني وتشجيع وتحفيز الشركات العالمية التي شهدنا استهدافها لأسواق المملكة كوجهة رائدة في التكنولوجيا والتقنيات الناشئة. وما تقوم به المملكة كذلك مثالًا مميزًا لجميع الدول، فهي توازن بشكل استراتيجي بين المرونة والسرعة والقيمة من خلال التوجه الاستثماري والعلمي والتنظيمي، إنَّ الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا محوريًا في تنويع مصادر الدخل من خلال تنمية القطاعات غير النفطية، مثل: السياحة، التقنية، والخدمات اللوجستية ويساهم تعزيز الكفاءة والإنتاجية في الصناعة ورفع كفاءة العمليات وتقليل الهدر. كما يعد عامل جذب للاستثمارات الأجنبية من خلال المشاريع العملاقة ومبادرات التحول الرقمي التي استقطبت الشركات الريادية في المجال التقني، كما للذكاء الاصطناعي تأثيرٌ مباشرٌ على تطوير القدرات والمواهب الوطنية وتمكينها من تعزيز قدرتها التنافسية؛ كونها كوادر مجربة في هذا المجال. وللذكاء الاصطناعي تأثيرٌ ملموس بشكل مباشر على جميع القطاعات لكنَّه متفاوتٌ بشكل نسبي بين قطاع وآخر؛ فقطاع النفط والغاز أحد أهم القطاعات التي يؤثر فيها الذكاء الاصطناعي من خلال استخدامه في تحسين عمليات التنقيب والإنتاج وتقليل التكاليف. كذلك قطاع الخدمات المالية الذي يشهد منذ أعوام تحولًا كبيرًا من خلالِ تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل: الأنظمة المصرفية الذكية وتحليل البيانات الكبيرة للكشف عن الاحتيال. وقد أثر في قطاع التجزئة والتجارة الإلكترونية التي باتت تستخدم الأنظمة الذكية، أو الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة العملاء، مثل: التوصيات الذكية وإدارة المخزون. ويتم تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في قطاع النقل والخدمات اللوجستية لتحسين إدارة الطرق، وتطوير السيارات ذاتية القيادة، وتقليل تكاليف الشحن، وفي قطاع الرعاية الصحية بات الذكاء الاصطناعي يُستخدم في تحسين التشخيص الطبي، وتحليل البيانات الصحية، وتطوير العلاجات المخصصة. في المقابل كان له تأثيرٌ مباشر على قطاع الموارد البشرية من خلالِ أتمتة العديد من الوظائف التقليدية كليًا، أو نسبيًا، لا سيما تلك التي تعتمد على المهام الروتينية، مثل: وظائف المحاسبة، وأعمال السكرتارية، والتصنيع؛ هذا سيؤدي إلى تقليل الطلب على العمالة في بعض المجالات، وهو ما يقتضي أخذه بعين الاعتبار من قبل الجهات القائمة على التعليم والتدريب. وقد ساهم الذكاء الاصطناعي في خلق وظائف جديدة تتطلَّب مهارات عالية، مثل: تطوير البرمجيات، وتحليل البيانات، وإدارة الأنظمة الذكية؛ مما قد يخلق تحديًا مرحليًا خلقته الحاجة إلى الكوادر الوطنية المؤهلة لتلبية متطلَّبات السوق الجديد، يستدعي تبني استراتيجيات شاملة، منها: الاستثمار في التعليم والتدريب من خلال إطلاق برامج تدريبية بالتعاون مع الجامعات العالمية والمنظمات التقنية الرائدة لتأهيل الكوادر الوطنية للعمل في وظائف المستقبل كذلك تعزيز ريادة الأعمال وتشجيع الشباب على الابتكار وريادة الأعمال في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي واستكمال السياسات المتعلقة بالبيئة التنظيمية، من خلال وضع قوانين تضمن استيعاب التقنيات الجديدة بشكل متوازن، بالإضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص وتمكينه، كل ذلك من أجل الموازنة بين المرونة والسرعة في التكيف والتطبيق والقيمة؛ بما يمكن المملكة من الاستفادة القصوى من إمكانيات الذكاء الاصطناعي وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة مواكبة للتقدم العالمي.