قد يبدو هذا الموضوع غير تقليدي في البداية لكنه يتعامل مع تأثير القهوة كظاهرة اجتماعية وثقافية، وكيفية تأثيرها على العلاقات الاجتماعية، والاقتصاد، والأدب وحتى (الهوية الثقافية)..!! فالقهوة أو «أيقونة الحياة».. التي تشتهر بكثرة أنواعها مثل: القهوة السعودية والقهوة الإيطالية والقهوة التركية والقهوة الفرنسية والقهوة الأميركية وغيرها كثير.. ليست مجرد مشروب يعدل المزاج ويخفف من الاكتئاب.. أو موضة عصرية..! بل هي مؤسسة اجتماعية تتداخل مع جوانب عديدة من حياة الأفراد والمجتمعات الإنسانية ولها أبعاد اجتماعي.. كأداة للتفاعل الاجتماعي ووسيلة للتواصل الاجتماعي في العديد من الثقافات المجتمعية.. وشربها بمختلف أشكالها في المجتمعات الإنسانية يعد نشاطاً اجتماعيا يجمع الأفراد معا سواء كانت في المقاهي أو في المنازل وغيرها من الأماكن والفضاءات الاجتماعية يجتمع الناس حول فنجان أو كوب من القهوة في جلسة سمر حوارية تفاعلية ترويحية يتبادلون الأفكار والآراء في جو غير رسمي تعكس روح العلاقات الاجتماعية وبناء التفاعل بينهم وتحفز على التأمل والنقاش، فهو فضاء اجتماعي صرف يتقاسم فيه الرواد كل مايدور من أحداث ووقائع وظواهر اجتماعية.. وأبرزها المقاهي الثقافية والأدبية التي تجمع طبقة المثقفين والمهتمين بالحركة الثقافية والأدبية في مجتمعنا الفتي وموضع انعقاد الملتقيات الثقافية والندوات التنويرية كمبادرة من الشريك الأدبي (وزارة الثقافة)، وهناك من يرتادها لمتابعة الرياضة كفضاء مفتوح للجميع، ولذلك نجد أن القهوة تشكل رمزا ثقافيا في كثيرا من المجتمعات البشرية، فمثالاً القهوة السعودية التي تقدم في الاحتفالات الفرائحية والمناسبات الاجتماعية ليست مجرد مشروب بل رمز ثقافي واجتماعي أصيل يعكس الضيافة السعودية والكرم والهوية الوطنية، من خلال تقاليد تحضيرها وطريقة تقديمها كجزء لا يتجزأ من الحياة اليومية في المملكة، وتعّبر بالطبع عن كرم الضيافة والاحترام المتبادل، حتى في ظل التحولات الاجتماعية والتغيرات الثقافية التي يشهدها في مجتمعنا الفتي كأي مجتمع من المجتمعات البشرية.. تبقى القهوة السعودية رمزا ثابتا يعكس التوزان بين الحفاظ على التقاليد الأصيلة ومواكبة الحداثة والتغير في أنماط الحياة. وأيضا القهوة الإيطالية (الإسبريسو) تمثل جزءا من الأسلوب الإيطالي في الحياة اليومية في المجتمع، وفي الولاياتالمتحدة الأميركية يرتبط شرب القهوة غالبا في الصباح الباكر باعتبارها وسيلة لتنشيط الفرد وتحفيز إنتاجه..! أما في عالمنا العربي فالقهوة يمكن أن تكون جزءا من الضيافة اليومية التي تقدم للزوار كنوع من الترحاب وتقدير الضيف، ولذلك نجد أن أيقونة الحياة (القهوة) تؤدي وظيفة ذات تأثير اجتماعي وثقافي وأدبي وفني واقتصادي للأفراد والمجتمعات. ويمكن توظيف القهوة واحتساؤها في فضاء نظرية عالم الاجتماع الأميركي «روبرت ميرتون» الشهيرة (الوظيفة الظاهرة والوظيفة الكامنة).. فهي تؤدي «وظيفتها الظاهرة» التي يتفق الكثير عليها إلا وهي تعديل المزاج وزيادة الإنتاج..! ولها تأثيرات اجتماعية وصحية واقتصادية تظهر بوضوح في الحياة اليومية للأفراد، وبالمقابل نجد أن «الوظيفة الكامنة» للقهوة تشمل تأثيراتها النفسية والثقافية والرمزية التي تكون غير مرئية وغير مباشرة ولكنها تحمل أهمية كبيرة في تشكيل الهوية الثقافية. وبالطبع هذه التأثيرات الظاهرة والكامنة المتنوعة لاستهلاك القهوة في المجتمعات الإنسانية لها دلالات ثقافية رمزية، ومعاني اجتماعية عميقة في الحياة اليومية للأفراد، وبالتالي ستكون القهوة وأبعادها المختلفة في (ضيافة) علم الاجتماع أكثر العلوم الإنسانية التصاقا بالمجتمع وظواهره كعلم شمولي يدرس ويحلل الظواهر الاجتماعية ومتغيراتها في كل زمان ومكان.. وعلى ضوء هذا الكرم العلمي والمد الفكري السوسيولوجي لهذا العلم الخصب يمكن التنبؤ (مستقبلا) بولادة فرع جديد يحمل اسم (علم اجتماع القهوة).!1