يواصل مهرجان الرياض للمسرح في دورته الثانية، وسط أجواء إبداعية وحراك ثقافي زاخر، حيث قدم باقة من الأنشطة الثرية والعروض المسرحية التي أخذت الجمهور في رحلة عبر عوالم الفن والإبداع المسرحي. واستهل المهرجان أولى ورش العمل بعنوان «تشكيل الرؤية: تطوير المفهوم الإخراجي»، التي قدمها المخرج والمدرب عبدالله الجفال، ليضع المشاركين على أولى خطوات صقل أدواتهم الفنية، حيث بدأت الورشة بتمارين عملية تهدف إلى تعزيز مرونة المخرجين وحيويتهم على خشبة المسرح، قبل أن ينتقل الجفال للحديث عن تاريخ الرؤية الإخراجية، متوقفاً عند زمن الرومان حين كان الكاتب يقود الإخراج والممثلون يتحركون بحرية مطلقة. عرّف الجفال الرؤية الإخراجية كعنصر أساسي في العرض المسرحي، وتحدث عن تنوعها وإمكانية توظيفها بالتعاون مع المؤلف من خلال إعادة كتابة نصوص سابقة أو تأليف نصوص جديدة، كما سلط الضوء على الخيال ودوره المحوري في الإبداع المسرحي، مستشهداً بالرائد المسرحي أحمد السباعي، الذي سبق عصره برؤاه المتقدمة، وسفره وانفتاحه على الثقافات المختلفة. كما تطرقت الورشة إلى عناصر الرؤية الإخراجية مثل الفكرة، الشخصيات، التصميم البصري، المؤثرات الصوتية، الإيماءات الرمزية واختُتم الجزء الأول بتفاعل الحضور عبر أسئلة ونقاشات أضافت بُعداً أعمق لمفهوم الإخراج المسرحي، ومن المقرر أن تستكمل الورشة في جزئها الثاني غداً، حيث سيخوض المشاركون تمارين عملية على نصوص جاهزة لتقديم تصورات إخراجية مبتكرة. وعلى خشبة المهرجان، تألق عرض مسرحية «حارس المسرح»، التي تحكي قصة الممثلة السابقة «كريمة»، التي قادها العمر للعمل كحارسة في المسرح الذي لطالما تألقت على خشبته، يقاطع حياتها صحفي تعتقد أنه جاء ليعيدها للأضواء، لتكتشف أن الأمر ليس كما ظنت حيث قدمت المسرحية بحبكتها العاطفية والإنسانية انعكاساً مؤثراً عن أحلامٍ لا تنطفئ رغم صعوبات الحياة. كما شهد اليوم الأول قراءة نقدية لمسرحية «السقوط من نص دافئ»، التي تتناول حكاية رمزية عن «كلمة» ضاعت عن نصها الأصلي وتسعى جاهدة للعودة إليه، لتمر رحلة الكلمة عبر الكاتب، والمحرر، والرقابة، في معالجة أدبية مدهشة تتساءل عما إذا كانت الكلمة ستجد طريقها أم لا، ليذهل العرض بتركيزه على الرمزية والنصوص الخفية الحضور بفكرته العميقة وطرحه الفريد. وشكل اليوم الأول من مهرجان الرياض للمسرح منصة مضيئة أضاءت أفق الفن المسرحي بحيوية وإبداع عبر ورش العمل والعروض المتألقة، استعاد خلاله نبض الخشبة وروح المسرح، ليؤسس لأيام مليئة بالتجارب الفنية الملهمة التي ستبقى محفورة في ذاكرة المهتمين بالمسرح.