احتفل السوريّون في يوم الجمعة الثالث عشر من ديسمبر 2024 بدخول دمشق، وتردّدت أهازيج النصر في معظم المدن السورية، هذا الحدث الكبير يأتي بعد قرابة 14 عاما من التضحيات والصراع الداخلي، وهو حدث رحّبت به كثير من الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية مرحبّة "بالخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري الشقيق وحقن الدماء والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومقدراتها". ما يحدث على أراضي سوريا هذه الأيام ما هو إلا ثمرة لحلقات طالت من العنف الذي انتهجه نظام الأسد تجاه مواطنيه منذ أن بدأت شرارته مع اعتقالات شباب وأطفال مدينة درعا في مارس 2011 حين تظاهروا وقابل النظام تلك الاحتجاجات بالعنف والقمع، ما أدى إلى انتشارها في أنحاء البلاد، وتأتي هذه الأحداث والمشهد العسكري والأمني على الأراضي السورية وحولها من أعقد المشاهد التي يمكن تحليلها وتقديم الخلاصات حولها. هناك من جهة فلول قوات الحكومة السورية السابقة "المطاردة حاليّا" والتي قد تعيد تنظيم بعض عناصرها للتخريب والإيذاء، وهناك بلدات وقرى في الساحل الغربي (اللاذقية وطرطوس) ما تزال تحت السيطرة الهشة، وهنا أيضا طيران قوات الاحتلال الإسرائيلي تستغلّ الأحداث لتشنّ غارات جوية تستهدف كل تهديد مستقبلي محتمل، وفي شمال شرق سوريا تسيطر قوات سوريا الديمقراطية "قسد" (قوات كردية في الغالب) على أجزاء من الحسكة، والرقة، وأجزاء من دير الزور مدعومة من واشنطن، ثم هناك هيئة تحرير الشام (HTS) التي تقود المرحلة وتحاول استكمال السيطرة مع حوالي 26 فصيلا وجماعة تحالفت معها مثل حركة نور الدين الزنكي، وأحرار الشام، وفتح الشام (جبهة النصرة سابقًا)، وصقور الشام، ولواء الحق، وأنصار الدين، وجيش السنة، وفصائل من الجيش الحر. في جانب آخر هناك مخاوف كامنة من فصائل أخرى قد تتناوب (وفق ترتيبات مع داعميها) في القيام ببعض العمليات مثل الجيش الوطني السوري (SNA) المهيمن في منطقة عفرين ومدن الباب، جرابلس، وأعزاز في ريف حلب الشمالي، كذلك تنشط بعض عناصره في مدينة تل أبيض في محافظة الرقة ومدينة رأس العين في محافظة الحسكة. وفي هذه الأجواء تتردّد اتهامات ضد قوات الجيش الوطني السوري بأن مهمتها ليست وطنيّة بل لملاحقة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" لمصلحة أنقره، وعلى وقع هذه الخريطة المعقّدة للقوى النشطة يظهر اسم تنظيم داعش الذي لا تزال بعض فلوله تتفاعل في البادية السورية (المنطقة الصحراوية) وأجزاء من شرق سوريا (دير الزور). أما على مستوى القوى العالمية والإقليمية فهناك وجود عسكري وأمني أميركي في قواعد ونقاط عسكرية شمال وشرقي البلاد، ثم هناك القوات الروسية التي ما زالت تحتفظ بقاعدتين رئيسيتين في حميميم (اللاذقية) وقاعدة بحرية في طرطوس وتمثل تهديدا للوضع الجديد حيث بإمكانها إنشاء تحالفات وتقديم الدعم اللوجستي والجوي في الأوقات الحرجة، ويأتي بعد ذلك الخشية من مندسّين من بقايا الإيرانيين والميليشيات التابعة لهم المتخفّون في أحياء دمشق، وقرب الحدود العراقية في دير الزور. الخلاصة أن بشّار الأسد ترك سوريا وتركيا ومن معها يقومون بعملياتهم ضد الأكراد (قسد) التي يمولها الأميركيون أصدقاء أنقره وشركائهم في الناتو!، وإلى جوارهم قوات الاحتلال الإسرائيلية وهي تواصل تنفيذ ضرباتها الجوية، وإيران في وجلٍ تولول وتفتش في خياراتها، وفصائل مسلّحة في العراق تتساءل عن مصيرها وترغي وتزبد. نعم على أرض سوريا وحدها لا مناص من أن تنسّق واشنطن مع موسكو، وتتعايش القوميات والمذاهب، ويناضل العلماني مع الإسلامي وإلا الفتنة والدمار، هذه هي صورة سوريا الجديدة -على مفترق الطرق- بقومياتها وأرضها التي يعيش فيها العرب (حوالي 80 % من السكان) والأكراد (حوالي 10 - 15 %) والأرمن، والتركمان، ومعهم الشركس، والشيشان، والآشوريون، والسريان، والدروز. فليكن الله معك يا سوريا. * قال ومضى: إذا هبّت عواصف السياسة هزّت الأشجار الكبيرة، وأسقطت أوراقها الصفراء الصغيرة.