خطفت رحلة «روائع الأوركسترا السعودية» أنظار العالم منذ أن صدحت بأنغامها للمرة الأولى في العاصمة الفرنسية باريس عام 2022م، كأول مشاركة عربية في تاريخ مسرح «دو شاتليه»، لتنتقل خلال العام 2023م إلى العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي ونيويوركالأمريكية، ومن ثم إلى العاصمة البريطانية لندن في سبتمبر 2024م، فيما كانت آخر محطاتها في العاصمة اليابانية طوكيو كأول رحلةٍ لها في شرق آسيا وذلك في نوفمبر 2024م. وأبدعت الفرقة الوطنية الموسيقية في كل محطةٍ من خلال مشاركاتها للفرق الأوركسترالية لكل دولة، من حيث تقديم مزيجٍ موسيقي فريد، يجمع مقطوعاتٍ لأبرز المعزوفات العالمية، إضافةً لأغانٍ من التراث والذاكرة السعودية، مزخرفة بإيقاعات الفنون الأدائية التي تشتهر بها مناطق المملكة، ومنها المجرور، والخبيتي، والسامري. ونجحت الأوركسترا السعودية في إيصال مشاعر وأحاسيس روّاد الفن في المملكة من خلال لغةٍ تنبعث من أعماق الروح، لِتُفهم في جميع أنحاء العالم، وذلك عبر النغم الموسيقي الذي يجسّد الحالة التي لا يمكن التعبير عنها بالكلمات، لتنقل للعالم ما يتمتع به الفن السعودي والعربي من قيمٍ اجتماعية تتفاعل مع مختلف الحالات الإنسانية، عبر أغانٍ وطنية، وأخرى عاطفية، إضافةً للأغاني أو الأناشيد المُحفِّزة على الاجتهاد في العمل، كتلك التي يؤديها المزارعون أو البحارون، دون نسيانٍ للعديد من الأغاني التي كانت تُستخدم في ميادين الحروب، لتتحول فيما بعدُ لأغانٍ تُبرهن على قيمة وقوة الحضارة العربية والسعودية. ولم يُشكّل الفرقُ بين سمات الموسيقى العربية والغربية أيَّ صعوبةٍ لدى «فرقة الأوركسترا والكورال الوطني السعودي» التي تمكنت من التواصل مع الجماهير في مختلف دول العالم، بمشاركة موسيقيين واستعراضيين، قدّموا ما تزخر به المملكة من تنوعٍ فني، يشمل فنون البادية والفنون الجبلية والبحرية، بدون أي تأثير لفروقات المقامات والشكل التكويني للألحان الموسيقية الشرقية عن الألحان الغربية، خصوصاً وأن اللحن العربي يمتاز عمّا يُعزف في مختلف الثقافات العالمية من خلال ما يعرف ب»النصف تون» و»الربع تون»، وهي التجزئة للحرف الموسيقي، وهو ما أعطى مذاقاً خاصاً لكل مقامٍ عربي يُعزف به، ويتم توظيفه بحسب الحالة الخاصة للأغنية، حيث تلجأ الأغاني العاطفية عادةً لمقام «الصبا»، ومثلُه مقام «الكرد» الذي يشتهر بقدرته على التعبير عن الأحاسيس الداخلية، وهو من أشهر المقامات الشرقية. وتميّزت الآلات الموسيقية الشرقية مثل العود، والقانون، والإيقاعات العربية خلال حضورها في دُور الأوبرا والمسارح العالمية، إلا أن تفاعل حضور دار الأوبرا في نيويورك مع استخدام الفرقة السعودية ل»برميل» كأداة موسيقية تقليدية عُرفت في فن الخطوة كان لافتاً. خمس محطاتٍ موسيقية ل «روائع الأوركسترا السعودية» تركت بصمةً عالمية تاريخية، من خلال الحضور المباشر للجماهير في المسارح، والمتابعة الكبيرة عبر الشاشات ومنصات البث المباشر، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أظهر للعالم إمكانية أن يجلس الفن السعودي جنباً إلى جنب مع أي فنٍّ عالمي. مبادرة «روائع الأوركسترا السعودية» التي تحظى برعاية صاحب السمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة، وتنظيم هيئة الموسيقى، تهدف إلى ترسيخ المشهد الثقافي السعودي عالمياً، وتعكس التزامَ المملكة بدعم الفنون والثقافة بمختلف أشكالها، وحرصَها على تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة رؤية السعودية 2030.