التوفيق هو اسم من الفعل وَفَّقَ. وفَّقَ يوفِّق تَوْفيقًا، فهو مُوَفِّق، والمفعول مُوَفَّق. ويقال وفَّق الرَّجلُ بين القوم: أصْلح بَيْنهم، ووفَّق فلانٌ بين شيئين: وافق؛ أي لاءم بينهما وجعلهما مُنْسجمين. ووَفَّقَ بين الأشياءِ المختلفة: ضمَّها بالمناسبة. وعندما نقول وَفَّقَ اللهُ أَمرَ فلان: أَعطاه له موافقًا لمراده ومبتغاه. وقولنا وفَّقه اللهُ، أو وفَّقه للخير أي ألهمه إيّاه وسدّد خُطاه، ووَفَّقَ اللهُ خُطَاهُ: سَدَّدَهَا. والتوفيق (وهو هنا بمعنى تحقيق المراد والأهداف) هبة من الله وهو أمر - كما وصفه خير الدين الزركلي - "لا قاعدة له ولا مدرسة ولا سابقة ينسج على منوالها".. ويأتي التوفيق عندما يتكرر تيسير الله للأمور أو إتمامه نجاحها بشكل لافت. يقول الزركلي: "ومن الناس من يسعف بالحظ مرة أو مرات، فيقال قد وفق، ولكنه لا يسمى (موفقاً)، مادام يتأرجح أحياناً بين التوفيق ونقيضه". والمتأمل لسيرة مؤسس هذا الكيان العطرة - طيب الله ثراه - يجد أنه كان موفقا بشكل مذهل. ولعل أول جوانب توفيق له هو تيسير مشروع استعادة ملك آبائه وأجداده، ذلك المشروع التوحيدي للمملكة العربية السعودية الذي دام لأكثر من ثلاثين عاما من بذل الأرواح والأموال. فمشروع كبير كهذا، وإن كان قد تحقق بلا شك لوجود الكثير من مقومات القيادة والنجاح لدى المؤسس، إلا أن توفيق الله تعالى كان أهم هذه المقومات على الإطلاق. يقول المؤسس - رحمه الله -: "لست ملكا بمشيئة أجنبية، بل أنا ملك بمشيئة الله"، فكما أن الله يعلم حيث يجعل رسالته، فهو أعلم - عز وجل - حيث يجعل ملك هذه الأرض المباركة التي تنطوي على الحرمين الشريفين، وتمثل منبع الدين الإسلامي. ولعل من صور هذا التوفيق الكثيرة أيضاً ما حدث حين توجيهه - طيب الله ثراه - بالبحث عن المياه في الحجاز تخفيفا لمعاناة الناس هناك وتعذر ذلك، فظهر البترول بدلا من ذلك في هذه الأرض المباركة، وقد عنون الزركلي لذلك بعنوان فرعي: أراد الماء فجاءه البترول. إن هذا الخير غير المتوقع جاء نتيجة إيمان المؤسس - طيب الله ثراه - بالله وحسن ظنه به. وقد قال - جعل وعلا - في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء". ولقد أكد الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عند ترحيبه بالأمير فيصل والأمير خالد - رحمهما الله - في أميركا عام 1943ه حيث قال: "إن من أشد صفات ابن سعود، إيمانه السامي بعدالة الخالق الأبدية، ولذا لم يدهشه أن الله الذي أرسل الغيث إلى البلاد العربية قديماً قد فجّر فيها ينابيع الزيت حديثاً"، هذا الإيمان قد تكرر أيضا أثناء حصار جدة، وهو ما سنتحدث عنه في المقال القادم.