بدعوة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -يحفظه الله- قام فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية الرئيس إيمانويل ماكرون بزيارة دولة للمملكة العربية السعودية للفترة 2 4 ديسمبر الجاري، وتمثل هذه الزيارة من حيث مستواها وأهميتها إحدى أرفع الزيارات التي يقوم بها رئيس فرنسي للملكة منذ عقود، وذلك لكونها بمستوى زيارة دولة أرفع مستويات الزيارات بين قادة الدول على الإطلاق، إضافة لمستوى وحجم الوفد المرافق للرئيس واتساع برنامجها الشامل ومدتها، مما يجعلها بحق زيارة متميزة واستثنائية. وهي زيارة تستند أهميتها في المقام الأول على أهمية البلدين المعنيين بها، فالمملكة العربية السعودية هي اليوم دولة في مصاف الدول العظمى بجميع معايير القوة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، وعلى الساحتين الإقليمية والدولية، وهي أيضا قوة دبلوماسية بارزة عززت وجودها ودورها بقوة من هذا الجانب في السنوات الأخيرة على الساحتين الإقليمية والدولية، حيث استضافت في الأعوام الأخيرة العديد من القمم والمؤتمرات والمنتديات التي ساهمت من خلالها بمهارة دبلوماسية كبيرة في مواجهة الصراعات واحتواء الخلافات والنزاعات بين الدول وإنهائها، وكان للدبلوماسية السعودية كذلك دور في مواجهة أبرز الأزمات والمشاكل التي تواجهها البشرية ومنها الإرهاب والتغير المناخي والأزمات الاقتصادية والأوبئة ونحوها، كما أن المملكة هي دولة المقر للعديد من المنظمات والصناديق الإقليمية والدولية ومن أبرزها منظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية ومجموعة البنك الإسلامي واتحاد اللجان الأولمبية العربية والمعهد العربي لإنماء المدن وغيرها. ومن جانبها تعد فرنسا اليوم زعيمة الاتحاد الأوروبي بلا منازع وهي أيضًا دولة عظمى على مختلف الأصعدة وعضو دائم في مجلس الأمن، ولها حضورها الجغرافي الممتد إلى مناطق نائية خارج القارة الأوروبية عبر الأراضي التابعة لها فيما يسمى "فرنسا ما وراء البحار"، ولها قواعدها العسكرية وأساطيلها في مناطق عديدة. وهي بدورها مقر لمنظمات دولية هامة من أبرزها منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والشرطة الجنائية الدولية (الانتربول) والمنظمة العالمية للفرنكوفونية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD والمكتب الدولي للمعارض BIE والمنظمة العالمية لصحة الحيوان OIE، والمجلس العالمي للمياه. كما تكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة بالنظر لمرحلة الصداقة والشراكة الاستراتيجية التي تمر بها العلاقات بين البلدين والتي تعد أيضا استثنائية، إذا تشهد علاقات البلدين تقدمًا مضطردًا منذ سنوات عززه زيارات القمة التي جرت بين قادة البلدين ممثلة بزيارات صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -يحفظه الله- إلى فرنسا التي كانت أولاها في إبريل 2018م وتم فيها التأسيس لمرحلة جديدة من علاقات البلدين قائمة على الاستدامة وبناء علاقات استراتيجية ترتكز على الصداقة والتفاهم وإنشاء الشراكات المعتمدة على المصلحة المشتركة، ثم تلتها زيارتان في نفس الأهمية في يوليو 2022م وفي يونيو 2023م. وزيارة فخامة الرئيس التي قام بها للمملكة في ديسمبر 2021م، والتي اجتمع أثناءها بسموه -أيده الله- في جدة. وقد جرى أثناء هذه اللقاءات بحث العديد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وإبرام العديد من الاتفاقات المهمة المرتبطة بالمصالح المشتركة للبلدين الصديقين، والتي تغطي جميع المجالات المهمة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والرياضية وغيرها، والتباحث حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، فهذه الزيارة تأتي تكليلاً للزيارات السابقة المشار لها، وعلى هذه العلاقات العريقة والمتنامية بين البلدين على المستويين الحكومي والشعبي. ولعله من الجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أن العلاقات بين البلدين على المستوى الشعبي والثقافي قديمة ترقى للدولة السعودية الأولى، ويحتوي الأرشيف الرسمي الفرنسي على العديد من المحفوظات المؤكدة لذلك، ومنها الخريطة التاريخية لعاصمة الدولة السعودية الأولى الدرعية، والتي رسمها الدبلوماسي الفرنسي جوزيف روسو عام 1808م، وذلك في فترة حكم الإمام سعود الكبير من عهد الدولة السعودية الأولى، وتعد أقدم خريطة للدرعية موجودة حتى اليوم، وتظهر أحياء الدرعية وبلدانها والأودية والمزارع المحيطة بها، وكان ذلك بالنسبة لفرنسا في عصر الإمبراطور نابليون بونابرت. أما في العصر الحديث وفي العهد الزاهر للدولة السعودية الثالثة فقد كانت فرنسا في طليعة الدول التي بادرت لإقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة السعودية، حيث عينت قنصلاً لها في جدة في 1926م ثم افتتحت بعثة دبلوماسية متكاملة في جدة عام 1932م، وقد مرت العلاقات بين البلدين بالعديد من الخطوات التي عززت تعاونهما على كافة الأصعدة، ولعل أحد أهم الأحداث في فترة ماضية، وتحديدًا على المستوى الثقافي، هو سلسلة معرض "الرياض بين الأمس واليوم" الذي نظم إحدى دوراته في باريس عام 1986م برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- الذي كان آنذاك أميرًا للرياض، والرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك الذي كان حينها عمدة لباريس، وكان للمعرض آنذاك دوره الكبير في إبراز ما كانت تتمتع به الرياض كعاصمة للمملكة من تقدم وبنية تحتية متطورة وبيئة عمرانية وحياتية أخاذة. أيضًا تشهد علاقات البلدين على المستوى الاقتصادي والتجاري تقدمًا ملحوظًا، وتشير التقارير الرسمية لمصلحة الجمارك الفرنسية إلى أن التبادل التجاري بين البلدين بلغ العام الماضي 2023م ما إجماليه 9,5 مليارات يورو، وارتفعت قيمة الصادرات الفرنسية إلى المملكة في عام 2023م بنسبة 5 % مقارنة ب 2022م لتصل لمبلغ إجمالي قدره 4,2 مليارات يورو. بينما بلغت قيمة الصادرات السعودية لفرنسا 5,3 مليارات يورو. وتظهر إحصاءات الخزانة الفرنسية أن المملكة كانت العام الماضي 2023م الدولة المصدرة الأولى إلى فرنسا والثانية بالنسبة للواردات من فرنسا وذلك في منطقة الشرق الأوسط والشرق الأدنى، وتشهد طبيعة التبادلات التجارية بين البلدين تحولًا إلى السلع الاستراتيجية والرأسمالية لا سيما قطاعات الطيران والفضاء والطاقة المتجددة والطب والمنتجات الدوائية وقطاع التأهيل والخدمات. هذا إلى جانب حوالي 400 شركة فرنسية تشارك حاليا في مشاريع واستثمارات مشتركة مع المملكة، ومن جانبهم يعزز رجال الأعمال والشركات السعودية استثماراتهم وشراكاتهم مع فرنسا الذين بدؤوا من جانبهم يستكشفون العديد من المجالات التي تتفوق فيها فرنسا على المستويات العلمية والصناعية والتكنولوجية وفي قطاع الخدمات وقطاع الطاقة المتجددة وقطاع حماية البيئة، حيث كان التركيز سابقا على عدد محدود من القطاعات يتمثل في العقار والفنادق والمنشآت السياحية وسوق الأسهم في بعض الشركات الصناعية والبنكية الفرنسية الكبرى. ويشهد التعاون التجاري بين البلدين تقدمًا ملحوظًا حيث تم تطوير الأنظمة التجارية والاستثمارية السعودية في ظل رؤية المملكة 2030 التي أطلقتها برعاية سمو ولي العهد -يحفظه الله- في 2016م، والتي تؤسس لعصر نهضة تنموية وبشرية شاملة، وتشجع على إقامة شراكات مستدامة تكون ذات نفع مشترك للجانبين، وتؤكد على أهمية جوانب التأهيل والتدريب وتبادل الخبرات والمعارف، وتشجع أنظمة الاستثمار على إقامة مقرات وفروع تمثيلية إقليمية للشركات الشريكة أو المتطلعة لإنشاء شراكات، والاستفادة من المزايا التي توفرها المملكة لإنشاء مثل هذه الشراكات والتي تشمل مزايا الاستقرار والقدرة الاقتصادية والأنظمة المطورة، والكوادر الشابة المؤهلة، والبنية التحتية المتقدمة، والموقع الجغرافي المميز. وقد بدأت العديد من الشركات الفرنسية بالفعل في إقامة مثل هذه الشراكات المستدامة والناجحة، كما شهدت الفترة الأخيرة إقبالًا غير مسبوق من قبل الشركات الفرنسية لافتتاح مكاتب إقليمية لها في المملكة أو نقل مكاتبها الإقليمية من دول أخرى في المنطقة إلى المملكة، لتعزيز هذه الشراكات وتوسيعها. كما يتم استكشاف مجالات جديدة للتعاون لم تكن موجودة أو كان وجودها محدودًا مثل التعاون في قطاع السياحة وفي قطاع التكنولوجيا المالية، وفي مجال الأمن السيبراني، وفي قطاع الطاقة المتجددة، وفي مجالات تكنولوجيا الاتصالات والفضاء والذكاء الاصطناعي، وفي علوم حماية التنوع الحيوي والأنظمة الحيوية وحماية الشعب المرجانية والبيئة البحرية. ويصعب في مقالة قصيرة تغطية جميع أوجه التعاون أو حتى معظمها. ولكن وعلى سبيل المثال في مجال الذكاء الاصطناعي كأحد هذه القطاعات، فقد أعلن في قمة الذكاء الاصطناعي التي عقدت في الرياض في شهر سبتمبر الماضي أن المملكة استقطبت ضمن شراكاتها الدولية حوالي 40 شركة فرنسية متميزة في مجال الذكاء الاصطناعي لإقامة تعاون من خلال برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، ويشمل ذلك تبادل الخبرات والتأهيل ودعم الشركات الناشئة وتمويل المشروعات المشتركة، حيث سبق أن وقع البلدان مذكرة تفاهم للتعاون في مجالات التعاون المؤسسي والاقتصادي والعلمي في مجالات التقنيات الناشئة والذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي، وكان ذلك أثناء زيارة فخامة الرئيس ماكرون السابقة للمملكة في شهر ديسمبر 2021م، وحيث تدعم قيادة المملكة هذا الجانب الذي أصبح ركناً أساسيا في أية عملية تنموية مستدامة ضمن ما أصبح يعرف بال"الثورة الصناعية الرابعة"، وترتبط البيانات والذكاء الاصطناعي بحوالي 70 % من مستهدفات رؤية المملكة 2030 وفق ما أعلنه معالي رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) في قمة الذكاء الاصطناعي المشار لها. كما أبرمت حكومة المملكة في شهر سبتمبر الماضي اتفاقا ثلاثيا مع منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والمركز الدولي للأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي (ICAIRE) يتم بموجبه اعتماد المركز، ومقره في الرياض، مركزا من الفئة الثانية (C2C) تحت رعاية منظمة اليونسكو. وتعد المملكة من أسرع الدول في العالم تقدما في هذا الجانب، حيث صنفت المملكة في آخر تقرير لمؤشر الأممالمتحدة للذكاء الاصطناعي في المرتبة ال 14 عالميا، والسابعة في معيار التجارة باستخدام الذكاء الاصطناعي، والأولى على مستوى العالم العربي، وذلك من بين 83 دولة يغطيها المؤشر. وستشارك المملكة في قمة الذكاء الاصطناعي التي ستستضيفها فرنسا في باريس خلال الفترة 10 11 من شهر فبراير القادم برعاية فخامة الرئيس ماكرون وبدعوة منه، والتي ستركز على التأثير البيئي للذكاء الاصطناعي واستدامته واعتماد حوكمة عالمية شاملة وفق ما ذكره البيان الصادر عن الأليزيه بشأن القمة المقبلة. ويرافق الرئيس ماكرون في هذه الزيارة وفد تجاري واقتصادي كبير يضم رؤساء كبرى الشركات والمصانع الفرنسية الشريكة للمملكة والمتطلعة لإقامة شراكة معها، حيث يتم ضمن برنامج الزيارة عقد منتدى موسع للأعمال، ويجمع الوزراء المعنيين ورجال الأعمال الفرنسيين مع نظرائهم السعوديين. أيضًا تكتسب هذه الزيارة أهمية استثنائية بالنظر للظروف الإقليمية والدولية التي تواكبها، فعلى المستوى الإقليمي، تستمر الأزمة في غزة وتتواصل معاناة المدنيين و الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة ومن تعثر المفاوضات نحو وقف لإطلاق النار وتيسير دخول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، ويتفق البلدان على تكثيف الجهود نحو هذه الأهداف. كما يتفقان بالنسبة للقضية الفلسطينية على أن الحل النهائي والذي يضمن الأمن والاستقرار الدائمين للمنطقة يتضمن تسوية قائمة على حل الدولتين، وعلى تعايش شعوب جميع دول المنطقة بسلام وأمن وتعاون يعود نفعه للجميع. أيضا في نفس السياق وعلى الساحة اللبنانية فقد تكللت المساعي الدولية التي ساهم فيها البلدان المملكة العربية السعودية وفرنسا باتفاق لوقف إطلاق النار، وقد رحب البلدان بالاتفاق معربين عن آمالهما بأن يؤدي ذلك إلى إيجاد حل دائم يحقق سيادة وأمن واستقرار لبنان. ويستمر البلدان في تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية والإغاثية والدوائية للشعب اللبناني، حيث سبق أن اتفق حكومتا البلدين أثناء الزيارة السابقة للرئيس ماكرون إلى المملكة في ديسمبر 2021م على إنشاء صندوق مشترك يتم من خلاله تقديم الدعم للسكان اللبنانيين لمساعدتهم على مواجهة الظروف الصعبة التي يمرون بها في ظل الأوضاع الحالية في لبنان. كما تتعاون حكومتا البلدين عبر تشاور وثيق حول بقية القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ويمتد هذا التشاور خارج المنطقة إلى موضوعات مثل الحرب الأوكرانية الروسية، والتي يبذل البلدان جهودًا موسعة لإنهائها وإيجاد مخرج سياسي لها، كما يعزز البلدان تعاونهما على المستوى المتعدد الأطراف ضمن دول وهيئات دولية أخرى لمواجهة التحديات العالمية التي تستدعي مثل هذا التعاون ومنها التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب ومحاربة الفكر المتطرف وأفكار التمييز والكراهية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والتعاون لمواجهة التغير المناخي وآثاره المؤدية إلى الجفاف وندرة المياه وامتداد التصحر، حيث تتضمن الزيارة إقامة مشتركة لقمة "مياه واحدة One Water Summit" وعقد مؤتمر COP16 لمكافحة التصحر. والذي يمثل جانباً من تعاون البلدين في هذا الصدد الهام لمواجهة التغير المناخي وآثاره، وحيث كانت المملكة في طليعة الدول التي شاركت في المفاوضات ووقعت اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015م، وستستعرض المملكة مبادراتها وتجاربها الناجحة لمواجهة مخاطر التصحر والتغير المناخي، ومن أبرزها مبادرة "السعودية الخضراء" ومبادرة "الشرق الأوسط الأخضر". ومشاريعها للاستدامة ولحماية البيئة البرية والبحرية. ومن جانبها تعتبر فرنسا أولى دول مجموعة العشرين بالنسبة لاستخدام الطاقة النظيفة والمتجددة، ويتعاون البلدان في هذا الإطار على مختلف الأصعدة الثنائية، وأيضا المتعددة الأطراف من خلال مجموعة العشرين التي يتمتع البلدان بعضويتها، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCDE، ومقرها باريس، والتي وقعت المملكة معها في شهر يناير الماضي أثناء انعقاد منتدى دافوس مذكرة تفاهم للشراكة الاستراتيجية تتضمن تعزيز التعاون بين الجانبين في عدة مجالات تشمل الاقتصاد والحوكمة والاستدامة، إضافة للتعاون من خلال المنظمات الدولية الأخرى وفي مقدمتها الأممالمتحدة وهيئاتها ذات الصلة. وبجانب العمل الحكومي فإن القطاع الخاص يساهم أيضا في هذا الجانب من خلال إقامة الشراكات وتبادل الخبرات، وقد بدأت المملكة خطوات عملية حثيثة لاستخدام الطاقة المتجددة، ضمن مستهدفات رؤية 2030، والتي انطلقت في ظلها مبادرة خادم الحرمين الشريفين للطاقة المتجددة، وتسعى الرؤية إلى الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة والتي ستشكل ما يقارب من 50 % من مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء بحلول عام 2030م كما تتواكب الزيارة مع فعاليات وتطورات لها أهميتها في مسيرة تعاون البلدين، لعل من أبرزها افتتاح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- يوم الأربعاء الماضي لشبكة قطار الرياض ليمثل أكبر شبكة مترو في العالم تبنى على مرحلة واحدة، وليتحقق بذلك المشروع الذي قدمه مقامه الكريم -حفظه الله- من سنوات عندما كان أميرًا للرياض ورئيسا للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض كمشروع مستقبلي حيوي، والتي تم إنشاؤها بحضور بارز للشركاء الفرنسيين وللهندسة الفرنسية ذات الخبرة الواسعة في هذا المجال، حيث يعد مترو باريس أحد أقدم الشبكات من نوعه في العالم وأكثرها فاعلية وشهرة. كما تمثل محافظة العلا الأثرية في شمال المملكة مثالا آخر على هذا التعاون، والتي تشارك فيها أيضًا الخبرات الفرنسية في مجالات الثقافة والآثار والإنشاءات والخدمات السياحية والفندقية، ضمن الاتفاق الذي أبرم بين البلدين في إبريل 2018م، حيث اجتمعت اللجنة الوزارية السعودية الفرنسية المنبثقة عن الاتفاق في منتصف شهر نوفمبر الماضي في باريس في اجتماعها الوزاري الثاني، وأشاد الوزراء بنجاح الشراكة الطموحة التي تجمع بين البلدين ورحبوا بالتعاون الواسع الذي تحقق في العديد من المجالات بما فيها الثقافة وتطوير الكوادر، واشادوا تحديدًا بتقدم مشروع "فيلا الحجر" وهي مؤسسة ثقافية سعودية فرنسية مشتركة مخصصة للفنون والثقافة لكل من فرنسا والمملكة، ورحبوا بنجاح البرنامج الأثري الذي جمع حوالي 150 عالم آثار وباحث فرنسي منذ 2018م، والشراكة بين الهيئة الملكية لمحافظة العلا وجامعة باريس 1 السربون، وعبروا عن تقديرهم لمشاركة الشركات الفرنسية في إنجاح هذه الشراكة. وواكب الاجتماع الوزاري منتدى كبير للأعمال جمع مجموعة من رؤساء كبرى الشركات السعودية مع نظرائهم الفرنسيين من المعنيين بالشراكة بين البلدين، واختتم باستقبال فخامة الرئيس ماكرون لهم في قصر الأليزيه بحضور معالي وزير الاستثمار السعودي ونظيره الفرنسي. وفي الختام فإن الجميع يتطلعون للنتائج الإيجابية لهذه الزيارة المهمة وما سيكون لها من دور لتعزيز علاقات التعاون والشراكة بين البلدين ولما يحقق المصلحة المشتركة لشعبيهما الصديقين، وفي كافة المجالات. * سفير خادم الحرمين لدى فرنسا