ليست الشائعات حديثة عهد بالمجتمعات، أو ضيفاً حل برحاله مؤخراً في مجالسهم بل رفيق درب منذ الأزل لعشوائية النبأ دون التحري الصحيح لآلية نقل الخبر فنراها تتفشى بين الجماعات كانتشار النار في الهشيم، ويهرع الناس إلى تصديقها وتصديرها إلى الآخرين، ولنُجَلِي أمام الأبصار الشائعة كمعنى بأنه الخبر غير الموثوق والحدث الكاذب الذي لا يمت للحقيقة بصلة يتناقله الناس في فترة زمنية لخطب ما فيصبح شغلهم الشاغل بل ويتم إضافة بعض المُنَكِّهات المجازية إليه وبسبب سوء الفهم من المرسل إلى المستقبل في عملية الاتصال قد تتمحور الشائعة إلى أخرى فيحيا المجتمع في حلزونية الانتشار الخاطئ ولرواد الشائعات أهداف رمادية تتبين في إثارة الرعب بين الأفراد وتعريض المصالح العامة والخاصة إلى الخطر والضرر مما يسهم في بلبلة الحديث والحدث وزلزلة الاستقرار النفسي فيعيق الفرد عن التركيز على أهدافه بل يتشعب في رياح السراب، كما يستهدفون بعض الجماعات ويستميلونها لخدمتهم لإيمانهم التام بهشاشة المعرفة لديهم من ثم يسهل إيجاد الطريق إلى تدمير التماسك المجتمعي والديني والقومي. ومع تنوع وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من المتاح وصول المعلومة المزيفة إلى الفرد وهو يحمل الهاتف الذكي بين يديه، إلا أن التنوير والنضج الثقافي أصبحا سلاحاً قوياً للقضاء على التفشي السام للأخبار حفاظاً على استقرار النسق القيمي للمجتمع، من خلال البحث عن المصدر الموثوق للخبر والبعد عن الغوغائين والتعامل بمنطقية مع المعلومات الواردة والنزاهة في إيصالها مما يضيق المخارج على مروجي الشائعات بيقظة اجتماعية مرعبة تجعلهم يعيدون النظر في حبكتهم البائسة وكذلك متابعة وسائل الإعلام الرسمية المعتمدة من قبل الدولة، هذا وقد نهى الشارع الحكيم عن تداول مثل هذه الأخبار العبثية سواء كانت شخصية أو مجتمعية دون التحقق من صحتها كما قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) لما لها من أثر نفسي ملحق بالشخص المُشَاع عنه، حيث يعيش بين تأرجح الأقوال عنه وبين ذاته الحقيقية فهذا مما يفتح الباب على مصراعيه لاستقبال الاضطرابات النفسية من فرد إلى نظيره. ولا يخفى على الجميع دور بلادنا الغالية في مكافحة هذا الفساد المعلوماتي من خلال تضافر الجهود العظيمة بتوجيه كريم من قيادتنا الرشيدة -أيدها الله- لكل من هيئة الحكومة الرقمية والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي والهيئة الوطنية للأمن السيبراني للعمل بشكل مترابط معاً لتطوير الإطار التنظيمي لمنع كتابة ونشر الأخبار الكاذبة. فنحمد الله على هذه الرعاية الوطنية المجيدة، بأن قيض الله لنا ولاة أمر يحرصون على البناء الاستراتيجي الفكري ومنع التطرف فيه لبناء مجتمع صحيح فكرياً متعافٍ من سم التزييف والتضليل.