التفاؤل سفير السعادة، ومرسول الاطمئنان، ولغة الأنس، وصوت الارتياح.. لذلك عليك أن تخلع القلق من داخلك فهو لباس الوهن، ورداء البؤس.. بعد ذلك هل ستتوقف حواسنا عن الركض خلف الوعي أم تهزم عقولنا في معركة الورق؟ بعض الخواطر تغزو أصابعي لتقتل في معركة الورق وميدان التذكر.. وبعض الأحرف تفر من زحف العاطفة. الحياة تعلمنا دروسا كثيرة لكن أجر التعلم فيها مكلف جدا وجهد المعاناة فيها كبير.. تدعكنا الساعات بالمضي والرحيل فوق رؤوسنا وتحت أرجلنا ونحن عاجزون لانقدر أن نلاحق قافلتها.. فندرك أن التوقيت يكتبنا فنقرأ الباقي لنتأمل هنا: تفرح كثيرا أنك وجدت ضالتك.. لكنك تكتشف أنك تهت.. وأن المسافة ليست كما ظننت.. فتخلع شعورك.. وتعلقه على مسمار الترقب مجددا تنطفئ أضوآءُ المدينة .. ينام أهلها ويرحل العابرون .. "أسوأ ما يحصل أننّا حين نرى سلبية في أحدهم، نُخبر كل من حوله ولا نخبره بها" أسوأ الأوقات أن تجلس لتتذكر أوقاتا سعيدة قد مضت .. فتعركك الذاكرة وتتساقط ذكريات أمامك .. فيختزلك الحنين في زوايا الآهات والأنات. الكثير يجيدون الثرثرة .. ولكن قلة من يجيد الأحساس حين تتأمل.. فترحل نفسك باتجاه تفاصيل الماضي الجميل.. ستطأ عيناك بقع الشجن.. وتقفز أذنيك فوق الحنين.. وترتص الذكريات بلا ترتيب.. وتسقط الحروف بين أصابع الظمأ.. من قال إن الزمن يدور بل هو يذوب، والتوقيت ينصهر، والتاريخ يتلاشى.. وحتى الزمن الأصيل يتبخر أسرع من السراب.. مع أننا كنا لا نعد الدقائق لأننا لم نحسب الزمان.. حقيقة كان القليل أشهى.. وكانت العتمة تضيء بنشوتنا، ونتناول الليل بحكايانا الشقية.. فكان البطل فينا هو الأكثر مقالب وتخريباً.. وهذه المراقد كخرائط مملوءة بتضاريس الراحة، ومناخات البرودة.. آهات.. ولغز المطر تحله النفوس الطيبة.. وأحجية جدي يكررها لا يجيب أحد.. فيزهو بالكبرياء رأس جدي.. لم يعرفوا أن الجواب في «حناء» جدتي.. والحل في صندوقها الأخضر.. أصوات سحرت الجهات.. ونغمة جدتي رددها الطين العتيق في حارتنا القديمة.. فتلذذنا بنكهة الطفولة بين ترانيم الكبار.. لتشعر أن الأحلام تتطاير بين جنبات الحياة.. وكثير من السعادة تحوم فوق رؤوسنا. "أشتاق لذلك الزمان الذي كنتُ أعتقد فيه أن مَشاكلي يمكن أن تُحل بقطعة حلوى أو لعبة مهملة" هدوء ذلك الضجيج الذي يتخم أرواحنا البيضاء.. وضجيج ذلك الهدوء الذي يخلو من الفرح.. وحين تدور الأحاديث تصمت الأنفاس، وتنتثر الحكايا، وتنشر الضحكات.. فتصبح الأماكن الصغيرة كبيرة بالبراءة.. أبوابنا ترحب بالغرباء.. وتنتظر الحلوى مثلنا.. وهذه العتبات تقبلها الأقدام بالوصل والزيارة.. والصحون تغني سمرا بالطعام البسيط.. والأباريق ترقص طرباً ب«الشاي».. والفناجيل يشدو شذاها «هيلا» بعض الثياب متسخة على جسد نظيف، وهؤلاء الصغار يركضون على قطن «السكة» الضيقة.. لا يشعرون بالغربة.. ولا يحسون بالكربة.. ما ألذ شكاويهم، وأطعم بكائهم، وأمتع جدالهم.. كثير من الأمان امتزج بوصايا أبي، واختلط بتعليماته التي كنت أحسبها غلظة.. فاكتشفت حينها أن الحب يكمن في وصايا الاهتمام.. وإن الإهمال نصف الكره.. وكثير من الاطمئنان داخلي كان يلبسني حين أسمع اسمي يرنو من فيه أمي.. فأدرك أن الكون يلفني بطهرها، والدنيا تزرعني في أنسها.. نفكر هل ألعابنا تلعب بنا أم نلعب بها؟ ذلك جاري الصغير جسماً، الكبير عقلاً لم يستطيعوا الإجابة.. فأكملوا اللعب وأطالوا يخشون سؤاله مرة أخرى.. كان يسأل «لمَ جدي يقول: بطن الحوي «هل للمنزل بطن وظهر وكتف وجسم.. ضحكنا وقذفنا عليه التراب فقررنا ندعه وشأنه وأسئلته، ونعود للعب.. بقعة شجن تغرقني في غياهب التذكر.. فأسمع حسيس الذكريات، وأتعطر برحيقها.. وأدرك أن ما بقي إلا الدعاء. غربة تتمدد على مائدة مدينة شاحبة .. تشرب من انتظار.. ووجه غائب .. وحظ خائب.. وفتات ظنون ستكون مرتاحا.. حيث لاتثقل عقلك بكثرة الرأي في كلما تسمع أو مايطرح أمامك .. فلست ملزما بالمشاركة أو المداخلة بما تعرف أو لاتعرف.. التفاؤل سفير السعادة، ومرسول الاطمئنان، ولغة الأنس، وصوت الارتياح.. لذلك عليك أن تخلع القلق من داخلك فهو لباس الوهن، ورداء البؤس.. بعد ذلك هل ستتوقف حواسنا عن الركض خلف الوعي أم تهزم عقولنا في معركة الورق؟