قف في أحزانك وتأمل الوجود الساحر ولا تكن كالنجمة التي أضاعت أفقها يومًا في المدار، فأنت مطويٌ في عالم الأقدار تبهرك الأشياء من وجناتها، ولو خُيّلَ إليك لرأيت منها العجب، وما العجب إلا في أنفسنا وعالمنا الذي قد قُدر في لحظةٍ مهيبة. لو اجتمعت عليك اللحظات في زمنٍ واحد؛ لما اختلفت عليك الأنباء، فلحظة واحدة هي التي تميزك من بين كل اللحظات التي تخصك أنت لا سواك. اللحظة والكلمة سيان في هذا العالم الحادث، الأولى تخص الزمان والثانية تخص المكان، ولأن النطق أوقع وقوعًا في الأوطان، ونحن مدادٌ لكلماتٍ في الأزمان وما حولها من أشياءٍ معنوية وأخرى مادية. فالمنطق لحظة ودلالة كلامية بين مفهومين متباعدين يجمعهما القياس، وربما الصدفة تلعب دورًا بارزًا في حياة الإنسان وما يحمله من شجن. فالشروق والغروب لحظاتٌ ترسمها الطبيعة بكل تجلياتها لتنثرها في صحائف الكون في كل يومٍ صحيفةٍ جديدة؛ ولا مجال لرجوعنا للصفحة السابقة؛ فالوقت يتقدم واللحظات لا تتوارى ولا تنتظر وقدركَ لا يتأخر ولا يتقدم فكل شيءٍ بميزان (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ). فقياس الأشياء دقيق ومحكم، فهناك علو وسمو لا يرتفع به شأنك وعلمك؛ إلا في إحكامٍ دقيق في لحظته موزونٌ بكل شؤونه وتفاصيله (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) لا يكون تجاوزًا بشيء لو حتى كان ما كان، فالفضيلة وسط بين رذيلتين، والعدلُ سيفُ الرحمةِ إن كان له قاضٍ يحكم باعتدال (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) ولا خسارة للإنسان إلا بهذا الميزان ميزان العقل ولا شيء سواه، فاجمع حواسك ونفسك وعواطفك ثم ضع عليها سلطان العقل. ولا تضيع عمرك لحظةً دون إصلاح شأنك أو غايةٍ فاضلة تريد بلوغها أو مجدٍ تريدُ تحقيقه يسمو بالإنسان. فاحرص على لحظتك التي جاءت؛ فاللحظات لا تتماثل ولا تتكرر؛ فكل لحظةٍ فلسفتها الخاصة وغايتها التي جاءت من أجلها، فهناك لحظة أفراح وأخرى أحزان. اتبع كلمتك تجدها ومعها لحظتك، فأنتَ في هذا الزمان تمشِ ومعك الأحلام تسير كما تسير المياه في النهر تصادف ما تصادف من أهوالٍ وكرب ومن أجواءٍ موجعةٍ وأخرى لطيفةٍ وأنس. ولعل هذه حياتنا أو ما شابه ذلك تدثرنا بشذاها وإعصارها ما بين معتركٍ ووئام، فكن كماء النهر أو زهره يتحمل الأحوال والأعاصير المبكية منها والمفرحة؛ اللَّججة والسلسة. والإنسان صولاته كثيرة في شجون الحياة وألوانها وأنغامها، فلعل فكرتك تسبق آنيتك.. لحظتك، فإن جاءت هذه الفكرة فهي الميلاد والإلهام يسطره الوحي لك معبرًا عما سيكون ويحدث لك قبل كل حدثٍ آن. وهل الفكرة كالحدث؟ كلَّا؛ فربما فكرةً تمنع حدثًا يُخيّل لصاحبها مصيبة المصائب. فالفكرة لها إرادة وقوة وثبات تفوق الحادث، وما كان الكون المحيط بك لم يتجشأ إلا بفعلِ قوةٍ عظيمة مسبوقة بفكرةٍ محكمة لها قوانينها وسننها. فاختر لحياتك فكرة قبل بلوغ غايتك.