قبل أيام تسنّت لي الفرصة مرة أخرى بعد عشرين عاماً؛ لزيارة المكتبة التي ظهرت في الفيلم الرومانسي الشهير "نوتينغ هيل"، شعرت هذه المرة بمزيجٍ مضاعف من الحنين والتأثر! ولهذا قصة تستحق أن تروى. في العام 1999م أطلق الفيلم الرومانسي الكوميدي "Notting Hill"، من بطولة الأميركية جوليا روبرتس والبريطاني هيو غرانت، تدور الأحداث حول "ويليام ثاكر" مالك مكتبة صغيرة في حي "نوتينغ هيل" اللندني، والمكتبات -كما تعرفون بالطبع- هي نقطة ضعفي الأولى! تتغيّر حياة بطل الفيلم بشكل دارمي عندما تدخل إلى متجره النجمة السينمائية الشهيرة "آنا سكوت" (التي تلعب دورها جوليا روبرتس)، لتتطور علاقتهما بشكل غير متوقع، رغم الفوارق الكبيرة بين عالمهما ومستوى شهرتهِما! حبي للمكتبات جعلني أحلم دوماً بزيارة تلك المكتبات الحقيقية التي تظهر في الأفلام، مثل مكتبة نيويورك العامة، أو مكتبة هوغوود السحرية، ومكتبة الكونغرس، ومكتبة شكسبير وشركاه في باريس، وغيرها كثير. حينما شاهدت الفيلم أواخر سنوات الجامعة أغرمت بالأجواء وتأثّرت بقصته، وعقدت العزم على الوقوف على المكتبة التي كانت مسرح وقوعهما في الحب! لأكون في صيف عام 2004 على موعد مثير بالوقوف أمام مكتبة الخرائط التي تحوّلت لاحقاً إلى متجر كتب وتذكارات، تراوحت مشاعري بين الدهشة؛ عند رؤية الموقع الحقيقي الذي شهد لحظات سينمائية خالدة، وبين الدفء؛ لأنني اقتربت من موقع أثار بداخلي ذكريات من مشاهد الفيلم. شعرت بالرومانسية حينما تذكرت القصة العاطفية التي جمعت بين شخصيتي ويليام وآنا، وجعلني استمتعت برائحة كتب المكتبة العتيقة، والتمعّن بتصميمها البسيط، وطابعها الذي يعكس أجواء لندن العتيقة. بعد عشرين عاما عدت إلى مكتبة حي نوتينغ هيل غرب لندن، تحديدًا في شارع بورتوبيلو، المعروف بسوقه الشهير نهاية الأسبوع، واضطررت للانتظار دقائق حتى أتمكن من التصوير -مرة أخرى- أمام واجهة المكتبة! إذ لا تزال جحافل المُهتمين تزور المكتبة، رغم مرور أكثر من ربع قرن على إنتاج الفيلم! المثير للاهتمام أن هذه المكتبة التي ظهرت في الفيلم لم تكن مكتبة حقيقية! بل كانت متجر كتب مستعملة عُدلت لتكون مكتبة خرائط، حتى تناسب قصة الفيلم، لتتحول بعد نجاح الفيلم إلى معلم سياحي، أشهر الحيّ وجذب المهتمين! ورغم أن المتجر تغيّر مع الوقت وأصبح شيئًا آخر، إلا أن العديد من الزوار -وأنا واحد منهم- لا يزالون يذهبون إلى هناك لالتقاط صور واستعادة الأجواء السينمائية للمكتبة، خاصة مع بقاء اللوحة الخارجية نفسها! ما أزال مستمراً في زيارة المكتبات التي تظهر في الأفلام، حتى لو كان ظهوراً خاطفاً، فهذا أقل ما أقدم لهؤلاء الصامدين، في وجه التقنية والتحولات الثقافية، خاصة وأنني دوماً ما أخرج بحصيلة من الكتب الثمينة والنادرة، والتي غالباً لا أجدها عند غيرها! والأهم أسعد باستعادة اللحظات الساحرة!