تزداد اليوم الدعوات للاستثمار في تأهيل ذوي التوحد ودمجهم في سوق العمل، ليس فقط من منطلق المسؤولية الاجتماعية، بل أيضًا كاستراتيجية اقتصادية ذكية. تشير الدراسات إلى أن تأهيل ذوي التوحد بالطرق المناسبة يسهم في زيادة الناتج القومي، كما يحد من الأعباء المالية المرتبطة بالرعاية التقليدية طويلة الأجل. في المقابل.. يؤدي عدم تأهيل هذه الفئة بالشكل الصحيح إلى تكاليف باهظة تتحملها الدول في صورة إعانات اجتماعية ورعاية صحية. ويجدر بالقول إنه عندما يتم تأهيل الأشخاص ذوي التوحد بطرق فعالة.. يمكن دمجهم في قطاعات متنوعة مثل التكنولوجيا وتحليل البيانات وخطوط الإنتاج. وفي مثالٍ حي أطلقت شركة SAP الألمانية للبرمجيات برنامجًا لتوظيف ذوي التوحد منذ عام 2013، حيث أصبح لديهم أكثر من 160 موظفًا على طيف التوحد يعملون في 28 موقعًا عالميًا، وأظهرت هذه التجربة كيف أن دمج ذوي التوحد في بيئات العمل أدى إلى تحسين الأداء ورفع مستوى الابتكار داخل الشركة. تقدر بعض الدراسات أن إدماج الأفراد ذوي التوحد في سوق العمل يمكن أن يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ، ووفقًا لتجربة SAP.. فإن توظيف الأشخاص ذوي التوحد يعزز الإنتاجية، مما يولد قيمة اقتصادية ويساهم في خفض معدلات البطالة. على الجانب الآخر من القصة.. تشير التقديرات إلى أن تكاليف الرعاية التقليدية للأفراد غير المؤهلين تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات خلال حياتهم. دراسة بريطانية أوضحت أن الدولة يمكن أن توفر ما يعادل 60,000 جنيه إسترليني للفرد سنويا إذا تم تأهيله بشكل صحيح منذ البداية، مما يخفض من التكاليف طويلة الأجل على أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية، أما الأسر التي تستفيد من التأهيل الفعال لأفرادها ذوي التوحد تتمكن من المشاركة الاقتصادية بشكل أكبر، مما يقلل من الأعباء الاجتماعية ويحسن مستوى جودة الحياة. في إطار تحقيق رؤية السعودية 2030، يمكن أن يكون الاستثمار في تأهيل ذوي التوحد جزءًا من استراتيجية شاملة لتعزيز الاقتصاد الشامل والمستدام، هذا الاستثمار لن يسهم فقط في خلق فرص عمل جديدة داخل مراكز التأهيل والتدريب، بل سيؤدي أيضًا إلى تقليل الإنفاق الحكومي على الرعاية طويلة الأجل والإعانات المالية. وختاماً يتضح من التجارب أن الاستثمار في تأهيل ذوي التوحد هو استثمار في المستقبل الاقتصادي للدول، من خلال دمجهم في سوق العمل وتوفير برامج تدريبية موجهة، يمكن تحويل هذه الفئة إلى قوة إنتاجية تسهم في زيادة الناتج القومي وتقليل الإنفاق على الرعاية التقليدية، لذا فعلينا العمل معًا لتطوير برامج شاملة وفعالة تضمن تحقيق هذا الهدف الاقتصادي والاجتماعي المهم.