لا بد من التفكير في إدخال مقرر عن (التربية الرقمية) في مناهج التعليم العام والجامعي لتعريف الأطفال والشباب الصغار بالأساليب المناسبة لضبط وتنظيم سلوكياتهم الإلكترونية، مع تقليص استخدام الإنترنت الترفيهي للقاصر إلى ساعة واحدة يومياً، وفي مكان مفتوح ومراقب داخل البيت، وتخصيص بقية الساعات ل(التابلت) المدرسي، والأنشطة الحركية والمهارية.. الفيلم الأميركي (اديوكرسي) الذي تم عرضه في 2006، يتناول حكاية عسكري متوسط الذكاء تعرض لعملية تجميد أو (فرزنة)، واستيقظ ليجد نفسه في المستقبل، وتحديداً في عام 2505، ويصور الفيلم الناس في هذه الفترة بأنهم محدودو الذكاء، وأقرب إلى الغباء في تصرفاتهم، حتى أن هذا الشخص بذكائه العادي أصبح عبقريا بينهم، والسردية السابقة ليست مستبعدة، فالمختصون يرون أن المقاطع القصيرة على (تيك توك) والمنصات المشابهة تسببت حالياً في نقص التركيز عند الأطفال أو القاصرين إجمالاً، ضمن ما يعرف ب(تيك توك برين)، ولدرجة أنهم أصبحوا يبتعدون عن المواد العلمية الطويلة، ويتكاسلون في تعلم مهارات جديدة، بخلاف أن الإنترنت، بما فيه السوشال ميديا، قد يشكل مصدر خطورة عليهم من خلال المشاهد الجنسية، التي تكون في الغالب محشورة في المحتوى الموجه للأطفال على (يوتيوب)، أو عن طريق استغلال الدردشات معهم في ألعاب الأونلاين، وتجنيدهم لأغراض إجرامية أو منحرفة. منظمة اليونسيف الأممية لديها مشروع عالمي، يهتم باستخدامات الأطفال للإنترنت، اسمه (غلوبل كيدز أونلاين)، ومن مخرجاته تقرير صدر العام الجاري، وأشار إلى أنه في كل ثانية يستخدم طفلان الإنترنت لأول مرة، وأن 71 % من جمهور السوشال ميديا تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 عاماً، وكشف مسح تم إجراؤه بمعرفتها على 12 دولة عن تعرض ما يصل إلى 73 % من القاصرين، وبالأخص في المرحلة العمرية ما بين 12 و17 عاماً، إلى انتهاك جنسي واحد على الأقل أثناء تواجدهم على الإنترنت، ولاحظت هيئة الإعلان المرئي والمسموع في المملكة وجود مقاطع إباحية في إعلانات يوتيوب عام 2022، وطالبتها بإزالة الإعلانات المخالفة والالتزام بالأنظمة وإلا فإنها ستتخذ الإجراءت القانونية بحقها، وتحرك الهيئة أجبر يوتيوب على الامتثال، ومعالجة التجاوز محلياً. تشير الإحصاءات العالمية، إلى أن الأطفال يمثلون قرابة 33 % من مستخدمي الإنترنت، وأهل الاختصاص ينصحون باستخدام محركات من نوع، (كيدل) و(دك دك جو) عند البحث عن مواد خاصة بهم، لأنها تغربل نتائجها وتستبعد ما لا يناسبهم، إلا أن هذا لا يفيد دائماً، خصوصا مع وجود تقنية التزييف العميق التي أصبحت تستخدم من قبل المتحرشين بالأطفال لابتزازهم، فقد توصلت (مؤسسة مراقبة الإنترنت) إلى دليل إرشادي على الإنترنت المظلم، أو (الدارك ويب) يشرح للمجرمين طريقة استخدام برامج (التعرية) لإزالة الملابس من صور الأطفال ومن ثم استخدامها لابتزازهم. علاوة على ما سبق؛ ذكرت وكالة الجرائم الوطنية في بريطانيا أنها ضبطت في 2023 حوالي 275 ألف صفحة ويب لاعتداءات جنسية على الأطفال، وهذا يمثل أعلى رقم تم تسجيله على المستوى البريطاني منذ قيام الإنترنت، إلى جانب 2000 صورة لاعتداءات جنسية منتجة ذاتياً، ومنتجوها أطفال أعمارهم ما بين ثلاثة وستة أعوام، وهو أمر خطير جداً، ويجب التعامل معه بعناية خاصة، ومعرفة أسبابه، ووجدت دراسة أعدتها جامعة أدنبرة الأسكتلندية، قبل عام، أن 300 مليون طفل في العالم كانوا هدفاً لمواد إباحية على الإنترنت، ورصدت تعرض طفل من كل ثمانية لمحتوى جنسي بدون موافقته أو اختياره، ولم أجد أرقاماً وطنية في ذات الموضوع، رغم أهميته. الأصعب أن الدراسات الاستشرافية لديها توقعات متشائمة في 2030، ومن أمثلتها؛ وصول حالات انتحال الهوية باستخدام التزييف العميق إلى 66 %، وسيكون ذلك عن طريق الصور والتسجيلات الصوتية، التي تتم مشاركتها على منصات السوشال ميديا، وحتى صور الأطفال يمكن تكبيرها عمرياً، وبواسطة الذكاء الاصطناعي، وكلها ستفيد في قضايا الاحتيال والاختطاف والسرقات وفتح الحسابات البنكية، وتوريط الطفل ومعه الراشد صاحب الصورة أو الصوت المتاح في جرائم آنية أو مستقبلية لم يرتكبها أصلاً، ولا يستبعد أن تؤدي به إلى السجن، ووجدت دراسة لشركة (أدوويك) أن الطفل عندما يصل إلى خمسة أعوام، يكون لديه في المتوسط 1500 صورة منشورة على الإنترنت، بدون موافقته، وهذه الأرقام مزعجة وغير مريحة، وسعوديا لا يهتم الوالدان، من الأساس، بموافقة الطفل أو الطفلة، ما داما قاصرين. مجلس شؤون الأسرة السعودي أوضح في 2023 أن نسبة الأطفال ممن يستخدمون الإنترنت في المملكة تصل إلى 94 %، ومتوسط استخدامهم اليومي لا يقل عن أربع ساعات، وأنهم يقضونها في مشاهدة الفيديوهات الترفيهية والألعاب والسوشال ميديا، ومراقبة الأطفال عند استخدامهم للإنترنت ضرورية ومهمة، ولا يجب توظيف الإنترنت كجزء من برنامج تربية الطفل، أو كوسيلة لإشغاله والتخلص من إزعاجه، والرأي الطبي ينصح بعدم تعريضه لأي شاشة قبل وصوله لسن ثلاثة أعوام، ولا بد من التفكير في ادخال مقرر عن (التربية الرقمية) في مناهج التعليم العام والجامعي لتعريف الأطفال والشباب الصغار بالأساليب المناسبة لضبط وتنظيم سلوكياتهم الإلكترونية، مع تقليص استخدام الإنترنت الترفيهي للقاصر إلى ساعة واحدة يومياً، وفي مكان مفتوح ومراقب داخل البيت، وتخصيص بقية الساعات ل(التابلت) المدرسي، والأنشطة الحركية والمهارية.