في عصرنا الرقمي الحالي، تتصدر "المدن الذكية" المشهد، وأصبحت بمثابة الحلم الذي يسعى العالم إلى تحقيقه، إذ تقدم نموذجًا لمستقبل يعتمد بشكل كبير على التقنيات الحديثة، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء. فمملكتنا التي تتبنى رؤية 2030 خير دليل لهذا التوجه، وتسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هذا الحلم. فقد أطلقت المملكة مشاريع ضخمة كنيوم والقدية وحديقة الملك سلمان والمربع وغيرها، لا تستهدف التحول في البنية التحتية وحسب، بل أيضًا إيجاد مدن تدار بالتقنيات المتقدمة على نحو غير مسبوق. فمثلًا، مشروع نيوم يُعد واحدًا من أضخم المشاريع السعودية والعالمية في إطار المدن الذكية، حيث يجمع بين الابتكار والاستدامة، في بيئة صديقة للبيئة تدمج الذكاء الاصطناعي لإنشاء مدينة مستقبلية تتجاوز المفاهيم التقليدية. وفقًا للتقارير، من المتوقع أن يستقطب نيوم ما يصل إلى مليون نسمة بحلول عام 2030، حيث ستتوافر شبكة من الروبوتات وخدمات الذكاء الاصطناعي لتسهيل حياة السكان والزوار، وتقديم حلول سريعة ومستدامة في القطاعات الصحية والتعليمية والخدمية. وتوضح الإحصائيات أنه بحلول عام 2025، سيتضاعف حجم سوق المدن الذكية في منطقة الشرق الأوسط، لتصل قيمته إلى 2.7 مليار دولار، بمساهمة كبيرة من المشاريع السعودية الطموحة. أحد أهم مميزات المدن الذكية هو التوظيف المتقدم لإنترنت الأشياء (IoT) لربط الأجهزة والمرافق ببعضها بعض. في مدن مثل الرياضوجدة، وتقوم المملكة بتطوير أنظمة متكاملة لإدارة الطاقة، تتماشى مع مبادئ الاستدامة. على سبيل المثال، في مشاريع الإسكان الجديدة، تُعتمد تقنيات ذكية لإدارة الموارد بكفاءة، بحيث يمكن مراقبة الاستهلاك والتحكم فيه عبر تطبيقات بسيطة، مما يؤدي إلى توفير يصل إلى 30 % من استخدام الطاقة. عالميًا، تشير الإحصائيات إلى أن المدن الذكية يمكن أن تقلل من استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 30 % بفضل تقنيات مثل الطاقة الشمسية وتقنيات النقل الذكي. في سنغافورة، التي تعد واحدة من أكثر المدن ذكاءً في العالم، يمكن للمقيمين الاعتماد على وسائل نقل مشتركة بفضل خوارزميات ذكية تقوم بتحليل الطلبات في الوقت الفعلي، مما يقلل من زمن التنقل وانبعاثات الغازات الضارة. وبينما تخطو السعودية خطوات مشابهة، تتوقع المملكة أن تسهم تقنيات النقل الذكي وحدها بتقليل انبعاثات الكربون في المدن الكبرى بنحو 20 % بحلول عام 2030. التحديات المرتبطة بالمدن الذكية لا تقل أهمية عن فوائدها؛ فاعتماد التقنيات الذكية يتطلب توفير بنية تحتية متقدمة، وتأمين حماية قوية للبيانات المتدفقة. في هذا الإطار، تخصص السعودية جزءًا كبيرًا من ميزانيتها لتعزيز الأمن السيبراني ضمن مشاريعها الذكية، حيث أعلنت في عام 2021 عن إطلاق أكاديمية للأمن السيبراني تهدف إلى تأهيل الكوادر الوطنية على حماية البيانات. إننا نعيش بالفعل ملامح مستقبل تدار فيه مدننا بالتقنيات، وسرعان ما سيتحول هذا المستقبل إلى واقع ملموس في المملكة. المدن الذكية ليست فقط حلًا عصريًا للمشاكل اليومية؛ بل هي نقلة نوعية نحو العيش في بيئة تحافظ على الموارد وتعزز جودة الحياة. وإن الاستثمارات السعودية في هذا المجال، المدعومة برؤية المملكة 2030، تؤكد أن التحول نحو المدن الذكية لم يعد مجرد خيار، بل هو ضرورة تفرضها تطورات العصر وأهداف التنمية المستدامة.