تقف بلادنا شامخةً -بفضل الله عز وجل- ثم بجهود قيادتها العظيمة وأبنائها الأوفياء يومًا بعد يوم لتطوير البلاد لتصبح حديث العالم، حيث عملت المملكة جاهدةً على الحفاظ على شعبها من مخاطر التكنولوجيا التي تزيد باستمرارٍ مع مرور الزمن، ولم تحافظ على الكبار فقط، بل حرصت المملكة على المحافظة على الطفل، النبتة الصغيرة التي ستنمو في المستقبل لتدير شؤون البلاد وتساعدها في التقدم بإذن الله تعالى، وذلك لأن الطفل هو حاضرنا ولا بد من المحافظة عليه بشكلٍ يليق ببلادنا العظيمة. لذا قدمت المملكة جهودًا جبارة للحفاظ على الطفل من التهديدات الناجمة عن الفضاء السيبراني، ففي تقدم التكنولوجيا فوائد عظيمة، ولكنه في ذات الوقت يحمل مخاطر كبيرة ولا سيما على الأطفال، ففي عام 2020 أطلقت المملكة مبادرة مهمة تعني بحماية الطفل من تهديدات الفضاء السيبراني وتم العمل على هذه المبادرة بشكلٍ جيدٍ للغاية، وفي عامنا الحالي 2024 استضاف عراب الرؤية ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- القمة العالمية لحماية الطفل في الفضاء السيبراني، وهي أول قمة عالمية من نوعها بأهدافها الرامية إلى توحيد الجهود الدولية في أمرٍ في غاية الأهمية بالنسبة للمجتمع بأكمله، وكذلك تهدف القمة إلى تعزيز الاستجابة العالمية للتهديدات التي تواجه الأطفال في الفضاء السيبراني، حيث أوضح المنتدى الذي تم استضافته في مدينة الرياض على مدار يومين أن 14 % فقط من إجمالي دول العالم حرصت على تبني استراتيجية لحماية الأطفال في الفضاء السيبراني، فيما يتعرض نحو 72 % من الأطفال حول العالم لتهديد سيبراني واحد على الأقل، مما أدى ذلك لانطلاق المملكة بالمبادرة لأهميتها الكبيرة في ظل التهديدات المتزايدة عالميًا، والجاهزية المحدودة للتعامل مع قضية الفضاء السيبراني وتهديداته على مستوى الدول. بالإضافة إلى أن مبادرة "حماية الطفل" حققت نتائج دولية مبكرة واعدة على مستوى بناء القدرات لمختلف أصحاب المصلحة، حيث شارك ما يزيد على 720 جهة حكومية حول العالم في برامج بناء القدرات، وأيضًا أطلق المنتدى برنامجًا شاملًا بعنوان "نحو فضاء سيبراني آمن ومزدهر"، وكان ذلك بالشراكة مع وكالة الأممالمتحدة المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتهدف المبادرة التي شنتها السعودية إلى تحقيق أهداف طموحة على مستوى دولي وذلك عبر الوصول إلى ما يزيد على 150 مليون طفل حول العالم، ودعم تطبيقات فعالة للاستجابة للتهديدات التي يتعرضون الأطفال لها في 50 دولة تقريبًا، وكذلك تطوير مهارات السلامة السيبرانية لأكثر من 16 مليون مستفيد. وها هي اليوم آتت ثمار القمة سريعًا لتُمكن مؤسسة المنتدى الدولي للأمن السيبراني من العمل على تنفيذ مشاريع نوعية وبرامج متخصصة في الأمن السيبراني، وإصدار دراسات وبحوث لتعزز بكفاءة من تدابير حماية الطفل في الفضاء السيبراني، حيث كان للمدرسة والمجتمع دورًا مهمًا في هذا الأمر، ويتم ذلك من خلال التوعية الجيدة للأطفال وأولياء الأمور بأهمية الحماية في الفضاء السيبراني، كما يتم تقديم برامج تعليمية تساعد الأطفال على استخدام الإنترنت بشكلٍ أكثر مسؤولية وأمان. كما أن هذه البرامج تضع قواعد واضحة لتساعد الطفل على تحديد المواقع الإلكترونية الآمنة والمناسبة لعمره، بالإضافة إلى أنه تم تطوير برامج تتحدث عن المخاطر السيبرانية بطريقة تصل إلى الطفل بسلاسة يتم الشرح فيها عن الاحتيال الذي قد يتعرض إليه أو التنمر أو الاعتداء الجنسي وغير ذلك من المخاطر التي حرص المنتدى على حماية الطفل منها. وحرص المنتدى كذلك على تجاوز التباينات السيبرانية، والبنية الاجتماعية في الفضاء السيبراني، وتطوير أنظمة الأمن السيبراني من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في اكتشاف التهديدات وكشف الثغرات بصورة دقيقة، بالإضافة إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الفضاء السيبراني وآثار الإدمان على السلوك والصحة النفسية للطفل. ولأن الفضاء السيبراني اليوم له ارتباط وثيق بنمو الاقتصادات، وبأمن الأفراد واستقرار الدول، وكذلك ازدهار المجتمعات، حرصت المملكة العربية السعودية على توحيد الجهود الدولية ومواءمتها لاغتنام الفرص ومواجهة التحديات في الفضاء السيبراني وبالأخص للطفل، وذلك لبناء دولة قوية الفكر والعزيمة لتعتلي قمم النجاح في كافة القطاعات وحماية مواطنيها من جميع المخاطر سواءً إلكترونيًا أو حتى على أرض الواقع بأمر الله تعالى. د. نهى الوقداني