العُنوان أعلاه جزءٌ من عُنوانٍ لافتٍ لكِتابٍ قَيمٍ كُتبَ بشغف ومعرفة، وهو يتغيَّا إيجاد حلول للصعوبات التي يواجهها أبناء العربية وغيرهم عندما يتعلَّمون اللغة العربية، ذاك هو كتابُ (تعلم اللغة بتذوقها.. من البناء إلى الانبناء اللُّغوي) لمؤلِّفَيْهِ (عبدالله البريدي ومعاذ الدخيِّل). فكرة الكتاب تقوم على ما سمَّاه المؤلفان (الانبناء اللُّغوي)؛ وهذا الانبناء «مصدره جواني بلاغي سليقي، عبر ذات متعلمة؛ تمارس تذوقًا داخليًّا للغة ومكوناتها وأبعادها، وتولد الأبنية اللغوية التعبيرية عبر تفكير إبداعي ذي صبغة تكاملية...»، وهذا الانبناء اللغوي سمَّاه المؤلفان (مدخل المنظِّرِين اللُّغويين) وهو مدخل تراثي، وهذا المَدخل يراه المؤلفان خلاف مدخل (البناء اللغوي) الذي يجعل المتعلم «يتعرض للغة من الخارج ولا يتذوقها من الداخل» وهذا النوع الأخير من البناء اللغوي سمَّاه المؤلفان (مدخل المعلمِين اللُّغويين) وهو مدخل تعليمي عصري، وعندما يميل والمؤلفان للانبناء اللغوي فهما في الوقت نفسه لا يصادران البناء اللغوي (النحو العلمي) ولا ينتقصان من مصادره، وهذا ما صرحا به ص(157). يُشكر المؤلفان على هذا الجهد الوافر، لكن يمكن أن يُقال إن ما يدعو إليه المؤلفان يكاد يتشابه مع ما اسْتَنَّتْهُ وزارة التعليم -قبل فترة- لتعليم اللغة العربية خاصة في المرحلة الابتدائية؛ عندما جعلت تعليمها -أي اللغة العربية- يتم وفق (المُدخل التكاملي) الذي يهتم بتعليم فروع اللغة جميعها (النحو، الإملاء، القراءة...) من خلال نَص لُغوي معيَّن، وهو الأمر الذي أدَّى إلى ضعف ظاهر في الفروع كافة وجعل (المعلمَ والطالبَ) يعيشان في حالة من الشتات وضياع البوصلة، وهو ما جعل المخرجاتِ (الطلابَ) أقل مستوًى وإتقانًا لعلوم العربية من الأجيال التي سبقتهم وكانت تتعلم وفق (المُدخل التفريعي). أمر آخر يتمثل في أن الانبناء اللغوي وما يمكن أن يقابله اليوم -وأعني به المُدخَل التكاملي- يصلحان لجيل الكتاتيب، ذاك الجيل -خاصة في العصور المتقدمة- كان أكثر تمكنًا من اللغة وتذوقًا لها، وبالتالي يصلح في حقه الانطلاق من داخل اللغة (الانبناء اللغوي)، أما جيل اليوم الذي اختطفتْهُ اللغات الأجنبية ووسائط التقنية فتصعب عليه قراءة جملة ذات قيمة فنية عالية أو بيت شعر فصيح قراءة سليمة، فكيف يمكن -والحال هذه- أن ننطلق به من نماذج لمقطوعات أدبية وأبيات شعرية هي في حكم الصعبة على قدراته وذائقته؟ وبالتالي أرى أن الأفضل في حقه أن يَفتح الأبوابَ الخارجية -أولًا- ثم يدلف إلى الداخل وهو متسلح بقدرات كافية تمكنه من الغوص في أعماق اللغة، أما أن ينطلق من داخل اللغة وهو فاقد لتلك القدرات والمُمَكِّنات فربما لن يحقق الغاية التي تغياها المؤلفان الكريمان. عمومًا.. بما إن المدخل التكاملي المقرر اليوم أماتَ أو لنقُلْ أضعفَ قواعد النحو وهو الذي انطلق من نصوص لغوية (من داخل اللغة) فهو شبيه إلى حدٍّ ما بالانبناء اللغوي الذي يميل إليه المؤلِّفان الكريمان، ونحن نرى أن مخرجاته -أقصد المدخل التكاملي- ليست بجودة المدخل التفريعي الذي كان ينطلق (من خارج اللغة)، وهذا لا يعني الحُكم بالأفضلية المطلقةلأحدهما؛ فلكل مرحلة تاريخية ما يُلائمها ويصلح في حقها، ولذا فقد يكون البناء اللُّغوي والمُدخل التفريعي هما الأجدى اليوم لتعلم اللغة العربية تساوقًا مع المستوى المتدني الذي وصل إليه أبناء اللغة العربية وكان (للمُدخَل التكاملي) دور فيه. وتبقى الموازنة مطلوبة خاصة مع الأجيال الحالية؛ بحيث يكون تعليم العربية -خاصة النحو- وفق قواعد يَهتدِي بها الطالب، لا أن نعمد إلى مصادرة هذه القواعد والاكتفاء بالذوق، أو على حد قول إحدى المعنيَّات بهذا الأمر (نكتفي بتغميس الطلاب في اللغة دون حاجة لقواعد النحو)، في الوقت نفسه تكون النماذج المختارة ذات قيمة فنية عالية.