عادت موجة الإرهاب الفردي لتخيم على أوروبا في المرحلة الأخيرة، إثر تزامن عمليات إطلاق نار وطعن بالسكاكين واعتداءات فردية، هذه الأحداث أثارت جدلاً واسعاً حول مفهوم «الإرهاب الإسلاموي»، الذي تم تصنيفه كأحد أكبر المخاطر على الأمن في أوروبا، ولاشك أن فهم هذه الديناميات يتطلب منا التعمق في الأسباب الحقيقية وراء هذه الظواهر والنظر إلى الأبعاد المختلفة للإرهاب. إن تصاعد الأعمال الإرهابية الفردية قد زعزع الاستقرار في العديد من الدول الأوروبية، وجعلها تواجه تحديا أمنيا كبيرا، وإن هذه الحوادث عكست تزايد التوترات الاجتماعية وفاقمت المخاوف بشأن الأمان، ومن المهم النظر إلى هذه الهجمات كأعمال يمارسها أفراد، وليس لها أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالديانات ولاتمثلها، لذلك ينبغي علينا جميعا أن نسعى لوضع تشريعات لتعزيز التعاون الأمني بين الدول. يرتبط مفهوم الإرهاب «الإسلاموي» الذي تستخدمه بعض جماعات الإسلام السياسي كتهديد للأمن القومي بالمخاطر التي تتسبب بها الأيديولوجية الخاصة بهذه الجماعات ، فأعمال العنف التي ترتكبها هي في نظرها وفكرها أعمال مبررة لدوافع دينية لتحقيق أهداف سياسية بغلاف ديني. والخطير في هذه الأيديولوجية أنها تعتمد على تفسيرات خاصة بهم من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة لأخذ شرعية أفعالها. لاشك أن لمواجهة هذا التهديد لابد من فهم جذوره والأثر الذي يتركه على المجتمعات المحلية، وليس من خلال التعميمات الخطرة التي تطال جميع المسلمين الذين يرفضون هذه الممارسات. فمن الضروري التأكيد على أن الأعمال الإرهابية يجب أن تحسب على أصحابها فقط، فربط الإرهاب بأي دين هو وصف خطير وغير منصف، ويجب أن نكون واضحين بشأن ذلك، فقد شهدنا في العديد من المناسبات كيف أن الفرد الذي يرتكب جريمة لا يمثل سوى نفسه، ولا ينبغي أن يتحمل المجتمع أو الدين تبعاته، لما في ذلك من تهديد على النسيج الاجتماعي خصوصا في المجتمعات التي تحتوي على تنوع في الديانات والطوائف. يجب أن ندرك أن الإسلام بوصفه ديناً، يرفض أي أشكال العنف والإرهاب، ووثيقة مكةالمكرمة التي صدرت عن علماء ومفتيي الأمة الإسلامية تعكس هذا الموقف، حيث أكدت بالدليل والبرهان على أن الإسلام يرفض أي أعمال قتل وإرهاب واعتداء على الآمنين ودور العبادة، ويدين بشدة من يرتكبها، بل أكدت على أنه دين يقوم على تعزيز قيم التسامح وترسيخ التعايش السلمي، وتمكين وتعزيز نهج الوسطية والاعتدال في المجتمعات المسلمة، والتأكيد على أن أي اعتداء على المدنيين هو تصرف يدخل ضمن الفساد في الأرض، وهو موقف الإسلام والمسلمين. إن العمل الفردي، مهما كان، ينبغي أن يفصل عن المجتمع والدين «ولاتزر وازرة وزر أخرى»، حيث إن الشخص الذي يرتكب عمل عنيفا وإرهابا واعتداء على الآخرين هو وحده المسؤول عن أفعاله، ومن المهم أن يفهم المجتمع أن تصرفات الأفراد تلك لا تعكس الدين الذي ينتمون إليه، لذا يجب أن نعمل على نشر الوعي حول هذه القضايا لتجنب التعميمات الضارة والتي تحرض على العنف والكراهية وتنتج «الإسلامفوبيا»، في المقابل لا يكفي مجرد التركيز على الحلول الأمنية لمواجهة الإرهاب، فالأمر يتطلب أيضا جهودًا فكرية ونقاشات معمقة تتناول الأسباب التي تؤدي إلى التطرف والإرهاب. من المهم أن نعمل على تعزيز التفاعل بين النخب المسلمة والمجتمعات التي تنتمي إليها، فهذه العملية تعني إقامة شراكة حقيقية قائمة على المسؤوليات المشتركة في مواجهة التحديات، من خلال العمل سوياً، يمكن لنا أن نبني مجتمعات أكثر استقراراً وأمانًا للجميع، حيث يعم السلام والتعايش السلمي. أخيراً، فإن تعزيز الشراكة بين جميع أفراد المجتمع هي خطوة أساسية لتحقيق الأمن، ويجب أن يكون هناك التزام مشترك بمواجهة التحديات، حيث يتحمل كل فرد جزءً من المسؤولية، فالتعاون والشراكة هما المفتاح لضمان مستقبل آمن للجميع، بعيداً عن التطرف والاعتداءات. * أمين عام المجلس الإسلامي العربي