التراث غير المادي، أحد المسميات التي نسمعها للمرة الأولى دون قدرة منا على تحديد أبعاد هذا المسمى أو حدوده؛ ولتقريبه للسامع أو القارئ لأول مرة يسعفنا طرح المسمى الأكثر تفصيلاً له: «التراث الثقافي غير المادي»، وتبقى ماهية المسمى مفقودة حتى طرح أول عنصر حي من عناصر بيئته لتتحول الغرابة إلى انتزاع صريح لعاطفته حيال العنصر المذكور وارتباطه بذات المسمى «التراث غير المادي» الذي جهله للمرة الأولى. لم تكن هذه الحالة المتفاوتة بين قمة الاستنكار والجهل به إلى قمة الحميمة والارتباط به سهلة التجاوز، بل إنها كانت مدعاة للاهتمام واستحضار العديد من الأمور وأهمها في عظم ما يحققه التراث غير المادي من تشكيله لهوية المجتمعات وتأصيله لحضارات الشعوب وارتباطه الوثيق واللافت في عاطفة الفرد من جهة، ومن جهة أخرى إلى الفجوة المتشكلة بين الأفراد عامة والتراث غير المادي كمجال وحراك الجهات المختصة للحفاظ عليه وصونه الذي أؤمن أنه رغم عظم هذا الحراك إلا أنه ينقصه تكاتف الأفراد معه من خلال وعيهم بالحفاظ عليه. ولتقليص هذه الفجوة على الأفراد معرفة التراث غير المادي حيث إنه جزء لا يتجزأ منا فعندما ترغب في فهمه بشكل بسيط ليس عليك إلا السؤال عن قصص اختلاف الأشياء والأصوات والمهارات والأداءات من حولك ونشأتها وثقافتها وطقوسها؛ لتعرف عما يختزنه مجتمعك من تنوع ثقافي رهيب يندرج في عناصر غير مادية متناقلة ومتوارثة جيلاً بعد جيل، حيث تكمن مجالات التراث غير المادي بالتقاليد وأشكال التعبير الشفهي، وفنون وتقاليد أداء العروض والممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية. فهو المجلس وما يحمله من مكانه والزي التقليدي والرقصة الرسمية والأهزوجة المعروفة لديك والمفردة العامية في عشيرتك والمثل الشعبي والقصة الجاذبة التي يتلوها الراوي وهزة الفنجان وما تحمله من معانٍ، وأجواء القهوة وقصيدة الشاعر وطريقتك في الاحتفاء والاحتفال بل ومهارات من حولك المميزة وتفاصيل عديدة قريبة ودقيقة هي بمثابة تعريب للفرد وكشف من أي مجتمع هو تحديداً، يمارسها ويتقنها ويتداولها لمن بعده دون إدراكه به كمجال أو علم. ولم يكن بالسهل حفظ هذه العناصر وصونها على مدى بعيد لولا حاجة الفرد لها ولممارستها، وهنا تكمن أهمية هذه العناصر الحية من عناصر التراث غير المادي مما يدعونا ذلك لرفع وعي المجتمع به أكثر. كما أن بذلك تقوية في تعزيز الانتماء الوطني والمجتمعي محلياً، وتعزيز للتنمية الوطنية دولياً، فالتراث الثقافي غير المادي سبب رئيس في تنمية السياحة باعتباره وجهة أولى للزوار منذ القدم لأنه يتيح لهم منافذ على ثقافة الآخر، إلى جانب تزامنه في تجسيد حضارة المجتمع ولهذا أبعاده الاقتصادية. وعلى هذا اعتمدت منظمة اليونيسكو عام 2003 الوثيقة الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي واحترامه لتحقيق التقارب والتبادل والتفاهم بين البشر وصادقت المملكة العربية السعودية على هذه الاتفاقية في عام 2008، وتسعى هذه الاتفاقية إلى تحقيق هدف صون التراث الثقافي غير المادي واحترام التراث الثقافي غير المادي للجماعات والمجموعات المعنية وللأفراد المعنيين، والتعاون الدولي والمساعدة الدولية. ولأننا في ظل قيادة تولي مساحة واسعة وأساسية للثقافة باعتبار أن ثقافة الدولة هي هويته التي تميزها بين دول العالم، تأتي خطوات وزارة الثقافة واضحة وجادة في العمل على جميع مجالات الثقافة ومن ضمنها مجال التراث غير المادي، وبالأخص مهنيون المجال. حيث أنشئت جميعة التراث غير المادي المهنية كجمعية متخصصة لتكون حاضنة للمهنيين بهدف رفع الإنتاج الثقافي التطوعي، والعمل على تطوير قواعد الممارسة في قطاع التراث غير المادي وعلى تقدير المواهب داخل القطاع من خلال إحاطتهم بالدعم المطلوب وزيادة الوعي العام والارتقاء بمستقبل الممارسين من خلال توفير التعليم والتدريب وتعزيز شبكات التواصل في القطاع. المجلس فاكهة السمر حياكة السدو