استجاب القطاع الخاص في المملكة بإيجابية للمحفزات التي تقدمها الدولة له ليكون مساهماً فاعلاً في القضايا البيئية فتنوعت أعماله وتعددت مبادراته لتشمل العديد من الجوانب المهمة لحماية النظم البيئية والطبيعية في أرجاء المملكة بدءاً بتنفيذ المشاريع البيئية الضخمة كمشاريع توليد الطاقة المتجددة والتحول إلى إجراءات التشغيل المناسبة والملائمة لتقليل نسبة الأضرار على البيئة ثم العمل على تطوير منتجات وخدمات ذات تأثير بيئي إيجابي وإطلاق مختلف المبادرات التي تخدم ذلك المسلك كأعمال التشجير ومشاريع إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة واختيار الأراضي المناسبة لإعادة الأحياء وإعادة التدوير وزيادة التنوع الحيوي، والمساهمة بنشر الوعي البيئي في أوساط المجتمع وغير ذلك، وتنوعت إسهامات منشآت القطاع في حماية البيئة من حيث الكم والكيف بناء على قوة المنشأة وقدراتها ليأتي ذلك الإسهام ضخماً ولا غرابة فعدد منشآت القطاع الخاص بالمملكة في 2022 وصل إلى 2.05 مليون منشأة، منها 1.41 مليون منشأة رئيسة و642.37 ألف منشأة فرعية حسب بيانات رسمية. مساهمات القطاع الخاص ونتيجة لضخامة مساهمات القطاع الخاص في هذا المنحى وتعددها كان لزاماً ظهور دعوات بين الحين والآخر تدعو لحصر تلك الأعمال بغية الاستفادة القصوى منها، ورفع درجات التنسيق فيما بينها إمعاناً في تقليص المعوقات والسلبيات وطلباً لتحقيق الأهداف الكاملة من تلك الأعمال ومن ذلك على سبيل المثال توجيه المركز الوطني لتنمية الغطاء ومكافحة التصحر، ولجان الطاقة والتغير المناخي ولجان البيئة بالغرف التجارية، بحصر جميع المبادرات والبرامج والمشاريع القائمة في القطاع العام والخاص وغير الربحي التي قد تساهم في تحقيق مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء، والعمل على ضم هذه المبادرات والبرامج والمشاريع ضمن المبادرة وفق المعايير المعتمدة. وتشكل مشاركات الشركات والمؤسسات العملاقة بالمملكة كأرامكو وسابك ومعادن ومختلف البنوك السعودية إضافة لشركات الاتصالات جزءاً لا بأس به من مجمل العمل السعودي الكبير الرامي للمحافظة على البيئة للأجيال الحالية وللمستقبل سواء على المستوى المحلي أو العالمي، فعلى سبيل المثال تتبنى شركة أرامكو التي خصصت دائرة تابعة لها تعنى بحماية البيئة رؤية جادة تتمحور في "حماية البيئة والناس من أجل مستقبل مستدام للطاقة"، وتحرص على أن تكون رائدة في الحفاظ على المياه، وكفاءة استهلاك الطاقة، وإدارة الانبعاثات والنفايات والتسربات والانسكابات، والمحافظة على البيئة الطبيعية، ويصعب حصر جميع مبادرات وبرامج عملاق النفط أرامكو في هذا الجانب ولكن نذكر من بينها النجاحات المتحققة في مجال توفير الطاقة الذي يعد إجراءً عالميًا رئيسيًا للتخفيف من آثار تغير المناخ، وهو برنامج قديم لدى الشركة التي استخدمت الألواح الشمسية لتشغيل المواقع النائية في حقبة الثمانينيات، ودليل تميزها في ذلك الجانب يذكر فوزها بالجائزة الخضراء لعام 2020 لأفضل الممارسات البيئية نظير إنجازها محطة وعد الشمال للطاقة الكهروضوئية وبئر الغاز الذي يعمل بالبطاريات، ومن المبادرات أيضاً حماية بعض محطات الاستضافة المفضلة للطيور المهاجرة في المملكة عبر توسيع جهودها للمحافظة على البيئة وتطويرها، ويشمل ذلك تحديد المزيد من المحميات في مناطق أعمال الشركة وتخصيصها وإدارتها، وإجراء المزيد من البحوث وتحليل البيانات حول العلاقة بين الطيور والموائل، ورفع مستوى وعي موظفي الشركة ومقاوليها بمجموعة من القضايا المتعلقة بالمحافظة على التنوّع الحيوي، ومن المبادرات إطلاقها لشركة (أُلفة) لرعاية الحيوان، وهي شركة غير ربحية ستركز أعمالها على خدمات إيواء الحيوانات الضالة وتقديم الرعاية الصحية البيطرية لها، والتقليل من مخاطر تكاثرها العشوائي وتهديدها للسلامة العامة، كما تهدف إلى الإسهام في توفير برامج التوعية والخدمات التي تعزز الجهود المجتمعية في المنطقة الشرقية والمملكة للتعامل مع الحيوان بما يتواكب مع السلوك الحضاري وتعاليم ديننا السمحة. ومن مبادرات أرامكو المهمة تطوير نظام حماية التنوع الحيوي في المملكة والعمل المستمر لتطوير برنامجها لتحديد أماكن حماية التنوع الحيوي في موئلها ذي القيمة الأكبر، لحماية أكبر عدد ممكن من أنواع الحيوانات والنباتات الثمينة في المملكة، وتعد حملة "حماية البيئة أولوية" التي لاحظت أرامكو من خلالها أن المناطق الآمنة المحيطة بمرافق الإنتاج والتخزين التابعة لها تسمح للنباتات والحيوانات والطيور المحلية بأن تعيش في سلام نسبيًا، من أهم مبادرات أرامكو إذ أطلقت الشركة سلسلة من البرامج المصممة لمراقبة هذه الموائل واستعادتها وإعادة تأهيلها في بعض الأحيان. كما أن الشركة تعمل على استعادة غابات المانغروف المحلية، التي لا تقتصر فوائدها على إيواء أعداد من الأسماك والروبيان والطيور فحسب، بل تسهم أيضاً في عزل الكربون. كما تعمل الشركة لتطوير عدد من المبادرات المتعلقة بالمحميات، بما في ذلك تحديد المحميات الطبيعية في أرامكو وإعطاؤها الأولوية لاستعادتها وحمايتها. وتصنف أرامكو في طليعة المبادرين بمختلف برامج التوعية حيال البيئة وأهمية الحفاظ عليها ويعد برنامج أرامكو السعودية للتربية البيئية، خير مثال يوضح تلك الريادة إذ يصنف البرنامج ضمن أوائل المبادرات التي تسعى لإدخال مفهوم التربية البيئية ضمنَ المنهج اللاصفي في المدارس الابتدائية، والذي انطلق أواخر عام 1428ه كمبادرة من الشركة بالتعاون مع الإدارة العامة للتربية والتعليم في المنطقة الشرقية، وتواصل الشركة باستمرار العمل على الاستثمار في التثقيف والتوعية البيئية عبر حملات توعوية بيئية للمجتمع لرفع مستوى الوعي العام بقضايا البيئة والمحافظة عليها. تنمية الغطاء النباتي وأطلقت شركة نيوم مبادرتها الخاصة لتنمية الغطاء النباتي، بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، وذلك بزراعة 100 مليون شجرة محلية متنوعة وإعادة تأهيل 1.5 مليون هكتار من الأراضي والمحميات الطبيعية وإصلاح موائل الحياة البرية في نيوم، كما أكد القائمون على المشروع الضخم أن كل جزء من (نيوم) سيعكس تناغماً بين المجتمع والبيئة، ويعمل على تحسين تواصل الإنسان مع الطبيعة، وتمتلك الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) برامج ومبادرات مهمة للمساعدة في حماية كوكب الأرض والحفاظ عليه للأجيال القادمة، من خلال تنفيذ المبادرة العالمية لحماية البيئة، وقد واصلت "سابك" في عام 2020م، جهودها تحت مظلة تلك المبادرة في تسع دول تتضمن 12 برنامجاً بهدف الحفاظ على حياتنا، من بينها أنشطة ترميم المحميات الطبيعية وأنشطة خاصة بالتنظيف وفعاليات خاصة بالتوعية والإرشاد إلى جانب معالجة تغير المناخ وتأثيره على العالم، وتطبق الشركة تدابير استباقية لحماية البيئة والمجتمع المحيط، وتنتهج أساليب متقدمة لمنع تلوث الهواء والماء والتربة، وتواصل تدريب الموظفين وتوعيتهم بالآثار التي تخلفها أنشطة بعينها على البيئة، وقد أظهرت إشادة صندوق النقد الدولي في تقرير مشاورات المادة الرابعة للعام 2024م، بما تقدمه المملكة العربية السعودية من جهود متواصلة للحدّ من آثار التغير المناخي وحفاظها على أدنى مستويات الانبعاثات الكربونية من بين دول مجموعة العشرين رغم أنها تعدّ من أكبر منتجي الطاقة في العالم دوراً إيجابياً لسابك في ذلك المنحى، إذ أشار الصندوق إلى أن المملكة تستحوذ حاليًّا على 1.3 مليون طن سنويًّا من ثاني أكسيد الكربون من خلال مصنعي "سابك المتحدة" و"العثمانية"، كما تقوم المملكة ببناء أكبر مركز لاحتجاز الكربون وتخزينه في العالم بسعة إنتاجية تبلغ 9 ملايين طنّ سنويًّا خلال مرحلته الأولى بما يدعم هدف المملكة المتمثل بالتقاط واستخدام وتخزين 44 مليون طن متري من غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2035م. تقديم خدمات بيئية ولا يمكن إغفال الجهود التي تقوم بها منشآت القطاع الخاص المتوسطة والصغيرة في مجالات القضايا البيئية؛ إذ يؤكد تقرير صادر من الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ارتفاع عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في السوق السعودي إلى 1.31 مليون منشأة بنهاية الربع الرابع من عام 2023، وتؤكد التقارير الرسمية تجاوب ذلك القطاع مع القضايا البيئية، فقد كشف المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي عن ارتفاع لطلبات القطاع الخاص للحصول على تراخيص تقديم الخدمات البيئية بشكل ملحوظ، حيث زاد بنسبة تفوق 13900 % منذ بداية عام 2019، نتيجة لتنوع المبادرات السعودية التي أطلقتها المملكة مع الإستراتيجية الوطنية للبيئة التي تهدف لتعزيز مساهمة القطاع الخاص في القطاع البيئي، وخلق فرص عمل نوعية بالإضافة إلى توفير مصادر دخل لتنمية القطاع واستدامته، وذلك بغرض خفض التكاليف المترتبة للتأثيرات البيئية على الصحة العامة والثروات الطبيعية. ويدعم القطاع الخاص السعودي مبادرتي "السعودية الخضراء"، و"الشرق الأوسط الأخضر" اللتين تتضمنان عدداً من الخطوات من أبرزها زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة خلال العقود المقبلة، لإعادة تأهيل حوالي 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة وزيادة في المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفاً، تمثل إسهام المملكة بأكثر من 4 % في تحقيق مستهدفات المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي والموائل الفطرية، و1 % من المستهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة، وتعد "مبادرة إشراك القطاع الخاص في تنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر" وهي عبارة عن مدخل لتعاون وثيق يجمع كلاً من المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر مع كيانات القطاع الخاص من خلال إطلاق برنامج زراعة وترميم مدته 10 سنوات وينتظر أن تسهم هذه المبادرة في تقليل انبعاثات الكربون بمقدار 16 مليون طن وتوفير حلول قائمة على الطبيعة لاحتجاز الكربون ومكافحة تغير المناخ والمساعدة في تقليل تلوث الهواء وتحسين جودة الهواء عن طريق امتصاص الملوثات إضافة إلى المساهمة في تحسين نوعية الحياة وتعزيز الممارسات المستدامة باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة. المحافظة على البيئة مسؤولية مشتركة بين القطاعين العام والخاص اهتمام وطني واسع بالتوازن البيئي