في مكتبه الذي يطل على حديقة واسعة في كامبردج، يتحدث دارون أسموغلو، أستاذ الاقتصاد ومؤلف كتاب كيف تفشل الأمم، عن قلقه من مستقبل الذكاء الاصطناعي الذي يبدو أنه لن يذهب بعيدا. متحدثا إلى أحد باحثي جولدمان ساكس يقترب دارون قليلا إلى الأمام مسقطا قنبلة: "نحن على وشك رؤية أكثر من تريليون دولار توجه إلى الذكاء الاصطناعي، ومن أجل ماذا؟ لست مقتنعا أن اقتصاد الولاياتالمتحدة سيصعد كثيرا في العقد المقبل"، كانت الورقة التي نشرها دارون عن رأيه في مستقبل الذكاء الاصطناعي الاقتصادي ملفوفة في يد مندوب جولدمان ساكس، علامة توتره لما فيها من توقعات صادمة. يخالف دارون في ورقته التي نشرها مؤخرا مجمل توقعات المستثمرين بما فيهم جولدمان ساكس حول الرؤية الإيجابية لمستقبل الذكاء الاصطناعي اقتصاديا، تنظر هذه الورقة في الادعاءات الكبيرة حول كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد. يبدأ في فحص تأثير الذكاء الاصطناعي على مهام محددة، لا سيما من خلال الأتمتة وكيفية عمل المهام معا، إذا كان التأثير الرئيس للذكاء الاصطناعي هو توفير التكاليف أو تحسين الإنتاجية في مهام معينة، فإن الفوائد الاقتصادية الإجمالية ستعتمد على عدد المهام المتأثرة ومقدار التكلفة التي توفرها، استنادا إلى البيانات الحالية، تشير الورقة إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز الإنتاجية الإجمالية إنما بتواضع، بزيادة صغيرة قدرها 0٬66 بالمئة على مدى السنوات العشر المقبلة. يطرح دارون أن حتى هذه الزيادة الصغيرة مبالغ في تأثيرها أيضا. تأتي مكاسب الإنتاجية المبكرة من مهام بسيطة، ولكن التحسينات المستقبلية ستشمل مهاما أكثر تعقيدا، حيث يكون صنع القرار صعبا ويصعب قياس النتائج. لذلك، يمكن أن تتدنى تقديرات الإنتاجية لأقل من نصف بالمئة على مدى العقد المقبل. هل ورقة دارون بعيدة عن الواقع؟ ليس تماما. عندما أصدرت غوغل أرباحها في الربع الثاني، فاجأت المستثمرين بهوامش ربح ضئيلة، نتيجة الإنفاق الكبير على تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، فقد ارتفعت النفقات الرأسمالية ارتفاعا تاريخيا يفوق ما أنفقته الشركة سابقا حسب تحليل صحيفة وول ستريت جورنال، حيث من المتوقع أن يتجاوز إجمالي إنفاق هذا العام 49 مليار دولار، أعلى بنسبة 84 في المئة من متوسط الشركة على مدى السنوات الخمس الماضية. رغم صعوبة خلق عوائد لهذه التكاليف، يرى رئيس غوغل أن خياراتهم محدودة، فمخاطر عدم الاستثمار الكافي أعلى. مع النقص الحالي في صناعة الرقائق، وأزمة الطاقة التي تلوح في الأفق، تتراكم طبقات من التعقيدات التي يمكن أن تخنق نمو الذكاء الاصطناعي. السؤال ليس ما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي الوفاء بوعوده فقط، إنما هل توجد البنية التحتية اللازمة لينمو. فهل نحن على أعتاب ثورة تقنية كم يصور لنا الآن، أم أننا نشهد المراحل المبكرة من فقاعة لا بد أن تنفجر؟