إن استمرار أو توقف حالة الحرب أو الصراع لا تتأثر بِقِصَر أو طول المُدة الزمنية، أو بعدد القتلى والجرحى والمُصابين، أو بحجم الدّمار والخراب الناتج، وإنما تتوقف على مدى تحقق الأهداف والغايات المرسُومة بالخطط والاستراتيجيات الخاصة بالدولة القادرة فعلاً على التأثير في مشهد الحرب والصراع.. ال7 من أغسطس 2024م يُمثل اكتمال عشرة أشهر من حرب الإبادة الجماعية الشاملة، والانتهاكات المتواصلة والمستمرة لحقوق الإنسان، التي تمارسها إسرائيل على قطاع غزة ابتداءً من ال7 من أكتوبر 2023م. ومُنذُ تلك البدايات الصَّعبة والمُؤلمة والمُؤسفة على قطاع غزة، وعلى امتداد هذه العشرة أشهر الحزينة التي عاشها قطاع غزة وأبناؤه الكرام، تصاعدت الأصوات العربية والإسلامية بأهمية وقف حرب الإبادة الجماعية تجاه قطاع غزة، وتعالت الأصوات الدولية المُحبة للسلام والاستقرار والبناء مناديةً بوجوب وقف العدوان الإسرائيلي الاجرامي على قطاع غزة، إلا أن جميع هذه الأصوات الإيجابية على امتداد المجتمع الدولي لم تتمكن من إسماع صوتها المُعبر عن حجم معاناة قطاع غزة لمجرمي الحرب في إسرائيل ومن يقف معها ويساندها في عدوانها المتطرف على قطاع غزة. وكما جاءت هذه الأصوات الإيجابية عالية في مناداتها، ومباشرة في مطالبها الإنسانية والقانونية والبناءة، بذلت الدول العربية والإسلامية، والدول المُحبة للسلام والاستقرار، جهوداً دبلوماسية عظيمة لوقف العدوان الإسرائيلي المتطرف على قطاع غزة حتى أنها عقدت المؤتمرات السياسية، والقمم الدولية غير المسبوقة –القمة العربية الإسلامية المشتركة المنعقدة بالرياض في نوفمبر 2023م–، إلا أن جميع هذه الجهود الدبلوماسية والسياسية لم تستطع وقف آلة القتل والدمار والخراب الإسرائيلية التي تمارسها تجاه قطاع غزة المُحاصر مُنذُ خمسة عشر عاماً تقريباً (2007م). وإذا كانت هذه الجهود الدولية المُتعددة والمتنوعة والمُختلفة لم تتمكن من وقف العدوان الإسرائيلي المُتواصل على قطاع غزة على امتداد عشرة أشهر، فكذلك أخفقت الجهود الأممية التي بذلتها الأممالمتحدة، سواءً تلك التي عبرت عنها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن ذلك قرارها الصادر في 12 ديسمبر 2023م، بحسب موقع الأممالمتحدة، والذي جاء فيه، الآتي: "بأغلبية 153 عضواً ومعارضة 10 وامتناع 23 عن التصويت، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يطالب بالوقف الإنساني لإطلاق النار والإفراج الفوري عن جميع الرهائن وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة."، أو تلك التي اتخذها مجلس الأمن، في 10 يونيو 2024م، بصدور قراره رقم 2735، بحسب موقع الأممالمتحدة، والذي جاء فيه، الآتي: "اعتمد مجلس الأمن الدولي قراراً رحب فيه بالاقتراح الجديد لوقف إطلاق النار المُعلن يوم 31 أيار/مايو، الذي قبلت به إسرائيل. وطالب المجلس حماس بقبوله أيضاً، وحث الطرفين على تطبيق بنوده بشكل كامل بدون تأخير أو شروط.". نعم، هذه هي الحقيقة التي يعيشها المجتمع الدولي حيث فشلت أو أخفقت جميع الجهود الدولية في وقف حرب الإبادة الجماعية والتدمير الشامل الذي تمارسه إسرائيل تجاه قطاع غزة على مدى العشرة أشهر الماضية. فإذا الأمر كذلك، فما الذي يمكن عمله أو فعله لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟ إن الإجابة على هذا التساؤل والوصول للاستنتاج الأقرب للواقع تتطلب حَصر أولئك الفاعلين الحقيقين في المشهد الإسرائيلي، والقادرين على التأثير في قرارها السياسي والأمني والعسكري. وهذا الحصر لن يكون صعباً أو غامضاً انطلاقاً من معرفتنا بواقع السياسة الدولية والنظام الدولي، وكذلك بناءً على ما شهدته الأشهر العشرة الماضية من جهود دولية عديدة لم تستطع التأثير بالقرار الإسرائيلي، ولم تتمكن من وقف آلة الحرب الإسرائيلية وسلوكياتها المتطرفة. نعم، إن واقع السياسة الدولية والنظام الدولي يُخبرنا، بأنه بعيداً عن المشهد العام للمجتمع الدولي، فإن الدولة القادرة على التأثير المباشر على إسرائيل وسياساتها العدوانية تجاه قطاع غزة، والدولة القادرة فعلياً على وقف آلة الحرب الإسرائيلية في أسرع وقت، هي الولاياتالمتحدة الأميركية، وليس أية دولة أخرى. وبالتالي فإن الإجابة على ذلك التساؤل العام تُصبح واضحة ومُباشرة بأن الذي يمكن عمله وفعله لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يتوقف على الولاياتالمتحدة وما تتطلع له من سياسات وتوجهات واستراتيجيات، والتي عليها تتوقف سريعاً، أو تستمر لأشهر قادمة، حرب غزة. نعم، إنها الحقيقة التي يدركها المجتمع الدولي، ويؤمن بها الرأي العام، على جميع المستويات انطلاقاً من المعرفة الدقيقة بمكانة الولاياتالمتحدة في النظام الدولي، ومكانة إسرائيل في السياسة الأميركية، ونظرة الولاياتالمتحدة لإسرائيل كأداة من أدوات سياستها الخارجية، وغيرها من معايير وعناصر تؤكد قدرة الولاياتالمتحدة على إدارة حالة الصراع والحرب بالطريقة والشكل والأسلوب الذي تريده أو تقره. وفي مقابل هذه الرؤية القائلة إن الولاياتالمتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على التأثير المُباشر في مشهد الصراع والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تأتي الطروحات القائلة إن الولاياتالمتحدة بذلت جهوداً عديدة لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما زالت تبذل جهوداً دبلوماسية وسياسية متنوعة وعديدة حتى أن وزير الخارجية الأميركي تردد على إسرائيل والمنطقة، مُنذُ ال7 من أكتوبر 2023م، تسع مرات خلال العشرة أشهر الماضية، وكل ذلك لأجل إقناع إسرائيل بوقف حربها على قطاع غزة، كما تعلن ذلك الولاياتالمتحدة. نعم، قد تكون هذه هي الحقيقة بناءً على الواقع المشاهد الذي لا يمكن إنكاره، حيث الولاياتالمتحدة بذلت وما زالت تبذل جهوداً عديدة لوقف آلة الحرب بطرق متنوعة سواءً بالحديث مباشرة مع الإسرائيليين، أو بتقديمها لمشروع قرار في مجلس الأمن الذي صدر برقم 2735، أو بالزيارات العديدة لوزير خارجيتها للمنطقة حتى وصل عددها تسع زيارات، ومع ذلك لم تتوقف حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل على قطاع غزة. فإذا كان الأمر كذلك، فهل نستطيع القول إن الولاياتالمتحدة أخفقت أو فشلت في إقناع إسرائيل بوقف حربها على قطاع غزة؟! نعم، إنه سؤال يغلب عليه التعجب تماماً لأنه لا يمكن أن يستقيم مع الحقيقة والواقع القائل إن الولاياتالمتحدة قادرة فعلاً وعملاً على التأثير المُباشر، سلباً وإيجاباً، في حالة الصراع والحرب على قطاع غزة، وقادرة تماماً على توجيه المشهد السياسي الإسرائيلي بما يتماشى ويتناسب مع خططها واستراتيجياتها العميقة. وفي الختام من الأهمية القول إن استمرار أو توقف حالة الحرب أو الصراع لا تتأثر بِقِصَر أو طول المُدة الزمنية، أو بعدد القتلى والجرحى والمُصابين، أو بحجم الدّمار والخراب الناتج، وإنما تتوقف على مدى تحقق الأهداف والغايات المرسُومة بالخطط والاستراتيجيات الخاصة بالدولة القادرة فعلاً على التأثير في مشهد الحرب والصِراع. نعم، إن مُضي عشرة أشهر على حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة مسألة طبيعية لإسرائيل التي تأسست على أيديولوجية متطرفة، وممارسات إرهابية، وسلوكيات مُنحرفة، واستمرت عليها بدعم غربي كامل حتى وقتنا الحاضر. نعم، إن مُضي عشرة أشهر على حرب غزة يعتبر مسألة غير أخلاقية في نظر المجتمعات المُحبة للسلام والاستقرار وحقوق الإنسان، بينما تعتبر مسألة طبيعية وبسيطة في نظر الأنظمة السياسية المُتطرفة فكرياً والمُنحرفة سلوكياً وأخلاقياً حتى وإن ادعت غير ذلك.