منذ عدة سنوات أثبتت عدة استطلاعات للرأي بعدة دول عربية أن وسائل التواصل الاجتماعي سرقت القارئ من القراءة، وجعلت عدداً ممن كانوا يقرؤون مئات الكتب بمختلف المجالات، لا يستطيعون اليوم أن يكملوا كتابين، أو ثلاثة، طوال سنة كاملة. وقد تنبهت رؤية المملكة 2030 لهذا الأمر منذ انطلاقتها فحملت في طياتها الكثير من المشاريع الثقافية والفكرية؛ لترسيخ مفاهيم الثقافة والبحث عن المعرفة، ومن هنا جاء «المشروع الثقافي الوطني لتجديد الصلة بالكتاب» الذي تشرف عليه مكتبة الملك عبد العزيز العامة، برئاسة معالي الأستاذ فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، وبمتابعة حثيثة من الدكتور عبد اكريم الزيد نائب المشرف العام على المكتبة، ويتولى إدارته الدكتور فهد بن علي العليان. الانطلاقة الرسمية .. 1424ه في الرابع من شهر صفر 1424ه (2003م) صدرت الموافقة السامية الكريمة بتصميم مشروع وطني ثقافي للكتاب على أن تكون مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض مقراً للأمانة العامة للمشروع وتابعة لها. ويعكس المشروع إيمان المملكة بأهمية القراءة ودورها الفاعل في نشر العلم والثقافة اللذين هما أساس تقدم الشعوب والمجتمعات، وإدراكاً لحاجة المجتمع السعودي بشرائحه المختلفة للنهل من معين الكتب، والتزود بالعلوم والمعارف وتنمية الاتجاه الإيجابي نحو القراءة الحرة. 12 هدفاً نوعياً انطلق المشروع ليحقق عدة أهداف، منها: تقوية الصلة بالكتاب من خلال تنمية مهارة القراءة، نشر الوعي بأهمية القراءة والتعريف بفوائدها، تكوين اتجاهات إيجابية لدى الناشئة تجاه القراءة، نشر ثقافة القراءة، تنمية مهارة القراءة السليمة، بث روح تنافس القراءة بين الطلاب، توفير الكتب المناسبة في المكتبات العامة وأماكن الانتظار، تفعيل دور الأندية والمؤسسات في مجال القراءة، إجراء البحوث والدراسات التي تبحث أسباب العزوف عن القراءة، علاج هذا العزوف وتنمية الاتجاهات الإيجابية نحو القراءة، اكتشاف مجالات القراءة التي تفضلها شرائح المجتمع، وخلق بيئة «تعليم مستمر» حاضنة للإبداع والابتكار والبحث. مهرجان القراءة الحرة لطلاب وطالبات التعليم العام ولتحقيق هذه الأهداف السابقة اعتمد المشروع آليات معينة، منها 5 برامج نوعية، أولها: مهرجان القراءة الحرة للطلاب. ويهدف هذا المهرجان إلى إقامة أنشطة وفعاليات قرائية وقصصية وذلك بحضور الطلاب في فروع المكتبة. والذهاب للطالبات في مدارسهن بفريق متخصص للقراءة، وإقامة عدد من الدورات التدريبية للمعلمين والمعلمات، وطلاب المرحلة الثانوية. مصادر التعلم المتنقلة انطلق هذا البرنامج عام 2016م في ساحة ابن عياف بحي الحمراء بهدف نشر ثقافة القراءة في الميادين والساحات العامة بالتعاون مع أمانة منطقة الرياض، والمساهمة في دعم مسيرة التشجيع على القراءة، من خلال تجهيز حافلتين للقراءة بالكتب والقصص المناسبة لمختلف شرائح المجتمع. المكتبة المتنقلة يُعد هذا البرنامج إحدى أهم وسائل نشر المعرفة، حيث توجد تلك المكتبات في المناسبات الثقافية بعدد من مناطق المملكة، وكذلك أثناء مهرجانات القراءة التي تُقام في خريص والمربع، ويتم تجهيزها بكل ما يلزم من الإمكانات التقنية والأجهزة الحديثة، وبث المواد المشوقة والمناسبة من خلال شاشات العرض التي تسعى لتعزيز العلاقة بين الطفل والكتاب وتعزيز ثقته بنفسه لاكتساب العلوم المختلفة. وتستهدف هذه المكتبات كافة الفئات العمرية، إذ توجد كتب للأطفال مصنفة حسب العمر، فئة من 3 إلى 5 سنوات، وأخرى تناسب الفئة العمرية من 6 إلى 9 سنوات، وأيضاً من 9 إلى 13 سنة. بالإضافة إلى كتب الكبار بمختلف المجالات، وتشمل الروايات والعلوم الطبيعية وغيرها. القراءة بالمطار يقوم هذا البرنامج على توفير مجموعة من الكتب المناسبة وإتاحتها للمسافرين عبر مطارات المملكة، ويستفيد من هذا البرنامج أعداد كبيرة من المسافرين؛ إذ تُفتح الخدمة 24 ساعة يوميًا مع التجديد الدوري للكتب بما يتناسب مع الكبار والصغار. ملتقى تجاربهم في القراءة وهو عبارة عن لقاءات دورية يتحدث فيها المثقفون والمفكرون عن تجاربهم في القراءة بوصفهم نماذج تُحتذى وقدوات قرائية يملكون تجارب ثرية مع القراءة. ومن خلال تلك اللقاءات يتم تسليط الضوء على تجربة الضيف في القراءة، وبداياته في عالمها، وتأثير البيئة حوله في تشكيل وعيه وثقافته وصقل هويته الشخصية والعلمية، ومن ثم طرح هذه التجارب في كتاب بعنوان «تجاربهم في القراءة». الملتقيات الثقافية يقيم المشروع عددًا من الملتقيات والمشاركات المتنوعة التي تسهم بدعم ثقافة القراءة، وتستحوذ على اهتمام وتفاعل المشاركين بها من خلال تنوع الفعاليات، وتشمل: أركان القراءة، والرسم والتلوين، لخلق بيئة «تعليم مستمر» حاضنة للإبداع والابتكار والبحث عبر الكتاب الذي يصنف معرفياً إحدى أهم الأدوات المكمّلة لرفع المستوى الحضاري، وزيادة فرص اكتساب المعرفة والمهارات المهنية المختلفة. ومن خلال تلك البرامج التي تحتوي عدداً من الأنشطة يستمر المشروع في مشواره تجاه تنمية ميول وتعزيز حب القراءة لدى الطلاب والطالبات، وتشجيع المعلمين والمعلمات على غرس مفهوم القراءة الحرة؛ لنشر الوعي القرائي لدى مختلف شرائح المجتمع، وترسيخ مفهوم حب القراءة لدى أفراد المجتمع. وإلى جانب تلك البرامج والفعاليات شهد العام الجاري 2024م إقامة ملتقى أندية القراءة الأول، الذي نظمته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض، بمشاركة (50) نادياً للقراءة من مختلف أنحاء المملكة؛ لمناقشة التحديات التي تواجهها، وتتمثل في كيفية تشجيع القراءة، وتوفير الأدوات التي تيسر وتشجع وتعالج القضايا التي تواجه من يبحث عن مصادر المعرفة. فيصل بن معمر د. عبدالكريم الزيد