نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير عام فرع الأحوال المدنية بالمنطقة    أمير المدينة يستقبل قائد أمن المنشآت    الخبر تتقدم 38 مركزاً في مؤشر المدن الذكية لعام 2025 وتحقق المركز 61 عالمياً    القوات الخاصة للأمن البيئي تضبط مخالفين لنظام البيئة    الجامعة السعودية الإلكترونية تطلق أول مسرعة أعمال في تكنولوجيا الرياضة    تعليم الطائف يطلق البرنامج التدريبي التدريس المعتمد على المعايير في مقررات العلوم    جامعة نايف تفتتح في الرياض ورشة عمل "أمن وحماية القطارات وشبكة السكك الحديدية"    رئاسة الافتاء تصدر كتابا علمياً عن خطر جريمة الرشوة على الفرد ومقدرات الوطن    الصحة القابضة والتجمعات الصحية تختتم حملة "صم بصحة" ب40 مليار خطوة و3.7 مليون فحص خلال رمضان    تدخل جراحي عاجل يُنقذ بصر طفل أصيب بألعاب نارية في عنيزة    جميل للسيارات تتعاون مع شركة جي أيه سي لطرح مركبات الطاقة الجديدة في بولندا    رئيس وزراء جُزر سليمان يستقبل الرئيس التنفيذي ل «صندوق التنمية»    أسماء الفائزين والشخصية الثقافية ل جائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال 19    أديرا" و"أرماح الرياضية" توحدان جهودهما لتقديم تجارب لياقة متميزة للضيوف    مصر وفرنسا توقعان سلسلة اتفاقيات للتعاون في قطاعات الصحة والنقل والصناعة    بطاريات جديدة مقاومة للحرارة تُحدث فارقًا في تخزين الطاقة    المياه الوطنية بدأنا تنفيذ 30 مشروعًا مائيًا وبيئيًا في منطقة الرياض    انتظام أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة في مقاعد الدراسة بعد إجازة عيد الفطر المبارك    عسير في خريطة العمارة السعودية.. تعزيز لأصالة البناء وجماليات التصميم    «سلمان للإغاثة» ينفذ 642 مشروعًا لدعم القطاع الصحي في 53 دولة    سحب رعدية ممطرة ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    فرنسا تدشّن مركزها الجديد لاستقبال طلبات التأشيرة في جدة    الخارجية الفلسطينية ترحب بمخرجات القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفرنسية في القاهرة    دوري عنيد    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر مارس 2025    في أسبوع الصحة العالمي.. الأمومة والطفولة تحت الحصار والإبادة.. 90 % من الحوامل والمرضعات بالقطاع يعانين سوء تغذية حاد    الجسر البري السعودي يُشعل المنافسة بين الشركات العالمية    لك حق تزعل    هل هناك رقم مقبول لعدد ضحايا حوادث المرور؟    "الحج" تحدد غرة ذي القعدة "آخر موعد".. و"الداخلية": 100 ألف ريال غرامة تأخر مغادرة الحجاج والمعتمرين    أمير جازان يشهد توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات المجتمعية.. تدشين حملة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للتوحد    الهلال.. مجد تحول لأطلال    خسارة النصر.. تغربل الهلال قبل النخبة الآسيوية    في ظهوره الثاني هذا الموسم.. جماهير الاتحاد تشيد بمستوى الأسباني هيرنانديز في ديربي الغربية    نقاط التحول    الساعة    ماجد المصري: لم أتوقع نجاح "رجب الجرتلي" الشرير والحنون    "يلو 28".. قمة الوصافة وديربي حائل في أبرز مواجهات الجولة    موهبة عالمية جديدة على رادار الهلال    اتفاقات مع "قسد" في طريق التعافي بخطوات ثابتة.. سد تشرين والنفط تحت إدارة الدولة السورية    موجة تفشى الحصبة الحمراء في أمريكا    ماذا بعد العيد؟    "أكيارولي».. قرية إيطالية يشيخ سكانها دون أمراض    رجال الأمن صناع الأمان    بين التقاليد والابتكار.. أين شريكة الحياة؟    25% انخفاضا بمخالفات هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    الموظف واختبار القدرات    بين النصّ الورقي و الأرشفة الرقمية.. حوار مع إبراهيم جبران    حوارات فلسفية في تطوير الذات    أخضر الناشئين يعاود تدريباته بعد التأهل لكأس العالم    نائب أمير الشرقية يستقبل مجلس «طويق»    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    استقبل ونائبه المهنئين بعيد الفطر.. المفتي: حريصون على نشر العلم الشرعي بالأحكام العامة والخاصة    صدح بالآذان 40 عاماً .. الموت يغيب المؤذن محمد سراج ليلة العيد    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    سمو أمير المنطقة الشرقية يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    أمير جازان يستقبل منسوبي الإمارة المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يقتصر دور الأكاديمي على المعرفة أم يتعداه للتطبيق؟
نشر في الرياض يوم 15 - 08 - 2024

في أوائل تسعينيات القرن الماضي، قام فريق من الباحثين في جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين Illinois Urbana-Champaign (UIUC) – باكتشاف أحدث ثورة في صناعة التكنولوجيا على مستوى العالم، هذا الاكتشاف أدى لأن تصبح شبكة الإنترنت أكثر شعبيةً بين الناس، حيث كان استخدام الإنترنت قبل ذلك الوقت مقتصر على من لديهم مهارات عالية في استخدام الحاسب الآلي من مهندسين ومطوري أنظمة معلومات ومبرمجين.
هذا الاكتشاف كان بقيادة مارك أندريسن (Marc Andreessen) وإريك بينا (Eric Bina)، حيث طور الباحثون -في جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين Illinois Urbana-Champaign (UIUC) – أول متصفح ويب (Web Browser) بواجهة مستخدم رسومية (Graphical Interface)، أطلقوا عليه اسم ميوزيك (Mosaic). هذا الابتكار مهد الطريق ليصبح الإنترنت الفضاء التجاري العالمي الجديد، أدى ذلك لزيادة كبيرة جداً في عدد المواقع الإلكترونية في فترة التسعينات الميلادية بسبب سهولة بنائها والتعامل معها من خلال متصفح الميوزيك (Mosaic).
تم إصدار متصفح ميوزيك (Mosaic) في عام 1993م كبرنامج "مجاني" يسمح للمستخدمين بتصفح الإنترنت وعرض المحتوى متعدد الوسائط – أي المحتوى الذي يشمل على الصور والفيديوهات بالإضافة للنصوص. ماجعل متصفح ميوزيك ينجح هذا النجاح الكبير عدة عوامل ولكن أهمها "سهولة الاستخدام" و"دعمه للروابط التشعبية – Links" التي تربط صفحات المواقع الإلكترونية ببعضها البعض، هذه السهولة في الاستخدام كانت أكبر العوامل التي شجعت المستخدمين الذين لا يمتلكون خبرات تقنية على استخدام الإنترنت والتنقل بين صفحات الويب المختلفة والمتعددة، فكان حينها من السهل على أي رجل أو سيدة ليست لديهم أي خبرة أو خلفية تقنية من تصفح المواقع الإلكترونية والتعامل معها، حيث كان متصفح الميوزيك يعرض كل شيء على شكل صور ورسومات ونصوص، يتنقل الشخص بينهم بمجرد الضغط على روابط على صفحة الموقع. هذه السهولة في الاستخدام أدت إلى الإقبال الكبير من الناس على هذا المتصفح الذي كان فريداً من نوعه حينها!
نجاح ميوزيك (Mosaic) دفع أندريسن وبينا إلى تأسيس شركة نتسكيب للاتصالات في عام 1994م، والتي طورت متصفح نتسكيب نافيقيتور (Netscape Navigator browser). كان الاكتتاب العام الأولي لشركة نتسكيب في عام 1995م واحدًا من أنجح الاكتتابات التقنية في ذلك العقد الزمني، حيث جمع مبالغ كبيرة جداً، وأحدث "طفرة الدوت كوم" في أواخر التسعينيات، وذلك عندما سارعت العديد من الجهات الحكومية والخاصة لتأسيس مواقع لها على شبكة الإنترنت التي أصبح من السهل الوصول لها وتصفح مواقعها عن طريق عدد من المتصفحات أهمها وأولها متصفح ميوزيك (Mosaic).
متصفح ميوزيك وتأثيره الكبير على عالمنا اليوم، هو مثال واحد فقط على المنتجات أو الخدمات التي ولدت من رحم الجامعات ومعامل الأبحاث والقاعات الدراسية، يعززه كذلك مثال شركة غوغل (Google) التي أيضاً انطلقت من جامعة ستانفورد. هذه الشركات العملاقة وغيرها العديد من الأمثلة على شركات تميزت في الأسواق العالمية كانت نتيجة أفكار بدأت وتبلورت من الجامعات لتتحول لاحقاً لمنتجات أو خدمات (سواءً في المجال الصحي أو المالي أو العسكري أو التعليمي أو الإداري أو القانوني) ساعدت وما زالت تساعد في تطوير حياة البشر للأفضل. هذه الأمثلة تبين الإمكانات الهائلة للأبحاث الأكاديمية والدور الريادي للجامعات في دفع الابتكار التقني وغير التقني للأمام وخلق بيئات ابتكارية متميزة ينتج عنها صناعات جديدة وطرح تصورات فريدة ونوعية لم تكن موجودة وجميعها تهدف لرفع جودة حياة الإنسان.
هل الأكاديميا تركز على الشق النظري فقط؟
من تنقصه المعلومة عن الدور المهم للجامعات في تزويد الصناعة والتجارة وبقية المجالات الأخرى بأفكار ونظريات بل وحلول تطور وتحسن من العمل، قد يعتقد أن العمل الأكاديمي يتمحور جُلَُه حول النظريات وتفسير الظواهر. بل قد يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، كأن يصف الأكاديميا وما تنتجه الجامعات بعدم الفائدة أو عدم مناسبته للمجتمع أو الصناعة!!
من يمتلك نظرةً كهذه بكل تأكيد هو شخص غير مطلع على طبيعة العمل الأكاديمي أو لا يستوعب الدور الذي تلعبه الجامعات وما تنتجه من علوم ومعارف وأبحاث ودور ذلك كله في النهضة التي يعيشها العالم.
صحيح أن الأكاديميين يقضون وقتًا كبيرًا في اكتشاف وتطوير النظريات واختبار الفرضيات وهذا هو جمال العمل البحثي، حيث يسعى الباحث دائماً خلف الاسئلة التي ليس لها تفسير واضح أو إجابة مقنعة من قبل، لذلك تجده يقوم بالعديد من التجارب التي قد تستغرق سنوات عديدة ليصل فقط إلى معلومة واحدة بعد كل تلك السنوات الطويلة والتي ربما تعطيه تفسيرا أو إجابة عما كان يثير فضوله ويبحث عنه! ولكن ما لا يعلمه بعض الناس (خصوصاً من هم خارج المجال الأكاديمي)، أن العديد من الأكاديميين بمختلف الجامعات حول العالم يشاركون بنشاط في تحويل أعمالهم النظرية إلى تطبيقات عملية، بالتعاون مع شركاء من الصناعة من خلال الدعم الذي تقدمه الجهات المانحة من القطاع الحكومي أو الخاص سواءً الربحي أو غير الربحي للعديد من الأبحاث في الجامعات أو مراكز الأبحاث التي تهدف لإيجاد حلول لمشكلات وتحديات قائمة، وبعضها قد تكون ذات أولوية عاجلة.
ولمعرفة تأثير الأكاديميا القوي والواضح على عالمنا اليوم، أدعوك -عزيزي القارئ- للتدقيق في أسماء العديد من الفائزين بجائزة نوبل والتي تعتبر أرقى الجوائز العالمية، والتي لا تعطى إلا لمن كانت أبحاثه أو أفكاره ذات أثر كبير، نجد أن أغلبهم سبق وأن عملوا أو حتى ما زالوا يعملون إما في جامعات أو مراكز أبحاث، حيث استغلوا سنوات عملهم تلك في العمل على العديد من التجارب التي أدت بشكل أو آخر لاستخدامات مفيدة لها تأثير إيجابي على حياتنا كبشر!
الجامعات كانت وما زالت مصانع ومراكز للفكر والإبداع والابتكار، وتحاول دائماً تدوين براءات الاختراع والأفكار المميزة وتحويلها لمنتجات أو خدمات إما عن طريق تأسيس شركات تكون على شكل أذرع استثمارية لها أو من خلال ربط باحثيها وطلابها بمن يساعدهم في تحويل تلك الأفكار وبراءات الاختراع إلى واقع ملموس تستفيد منه الأسواق المحلية والعالمية.
كما أن الأكاديميين -خصوصاً من لهم تجربة عملية خارج الجامعات أو احتكاك بالقطاع الخاص- ومن خلال سعة اطلاعهم في تخصصاتهم المختلفة وفهمه العميق القائم على القراءة النقدية والتجارب العلمية البحثية التي قاموا أو يقومون بها هم أعضاء فاعلون في العديد من الأحيان في صنع السياسات والأنظمة والقوانين والتشريعات داخل الوكالات الحكومية أو حتى الخاصة، وذلك بسبب فهمهم العميق للقضايا المعقدة، هذا الفهم الذي يساعد في اتخاذ القرارات وتشكيل السياسات التي لها تأثير حقيقي على أرض الواقع.
من المهم دائماً أن ندرك أن السعي وراء المعرفة وتطوير النظريات واختبار الفرضيات والتي تعتبر لب وجوهر العمل الأكاديمي -لها قيمة في حد ذاتها، حيث إن كل ذلك (1)- يوسع حدود الفهم البشري (2)- يضع الأساس للابتكارات المستقبلية.
لذا يعتبر تحقيق التوازن بين البحث النظري والتطبيقي أمرا حيويا لدفع عجلة التقدم ومعالجة القضايا المعقدة التي تواجه العالم اليوم. وما التطور والتقدم الذي يعيشه العالم منذ القدم إلا نتيجة أفكار جديدة ومبتكرة تم تبنيها وتطبيقها لتظهر على شكل خدمات أو منتجات يستخدمها الإنسان لتسهيل حياته! وستستمر الجامعات كمنارات للعلم والمعرفة ومصانع للأفكار والإبداع والابتكار تزود العالم دائماً بكل مفيد ونافع.
د. أيمن التميمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.