وبينهما أمور متشابهات في كمية الإنفاق في المسار غير المحمود بغية الوصول إلى أعلى مستويات الكمال المعيشي، وهذا يتنافى مع ما أمر الله به عز وجل في أهمية الاعتدال بين الإنفاق والتبذير. ومما دعا إلى تنوير هذه القضية من بين قضايا مجتمعنا هو التقرير التي أفادت به وزارة الزراعة حول نسبة الهدر الغذائي في المملكة حيث تقدر بنحو 33 % من الإنتاج الغذائي بما يعادل 40 مليار ريال سنوياً. ولم يحضر في ذهنك عزيزي القارئ أن هذه المليارات التي تحرق سنوياً من الموارد الطبيعية كان يمكن الاستفادة منها عوضاً عن رؤيتها كربونات متطايرة، في وقت أن هناك من يقف في الطابور لأجل اقتناء كوب ماء امتلأ بالشوائب فقط ليروي ظمأه. ناقوس الخطر يدق شرفات حياتنا إن لم نشعر بحجم الكارثة التي نعيشها تحت مظلة (الرفاهية) ويتغذى على مائدتها أجيالنا. وحين نشرع في دراسة هذه المعضلة التاريخية على مر العصور، والكيّس من دان نفسه واعتبر من التاريخ وأيديولوجية زوال النعم في حال البطر بها، نحن بصدد تغيير سلوك مجتمعي كامل في آلية الشراء والإنفاق بما يلزم الفرد الآن، تطلعاً إلى الوسطية التي نادت بها الآية الكريمة قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) من غير نقص في المعيشة ولا رحابة صدر في التبذير، حيث يبدأ الفرد بنفسه في تعيين ما يحتاجه تنامياً إلى النسق الاجتماعي المتكامل. للعروبة وأصالتها سهم كبير في الكرم وتقديم كل يمتلكه الفرد إجلالا لضيوفه وذلك بالتوعية الشاملة بأهمية تعزيز الممارسات السليمة للاستهلاك بل وإيجاد الحلول للحد من كمية الإنفاق متجاوزين بذلك العقبة الاجتماعية (الزيادة أولى من النقص) في وضع استراتيجة اجتماعية متفق عليها تعنى بأهمية الاقتصاد وترشيد الاستهلاك المنطقي. وقد وفرت الدولة، حفظ الله قادتنا كل وسائل المعيشة المريحة والخدمات الكريمة التي تليق بالمواطن السعودي والمقيم ضمن برناج (جودة الحياة) فمن أطهر البر لهذا الأرض الطيبة حفظ خيراتها من جذوع النخل إلى تلك السيوف المسلولة كرامة وعزا. وكان للدين الإسلامي قصب السبق في تأطير السلوك الاستهلاكي حيث قال عليه الصلاة والسلام: (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) وهذا يعاكس تماماً ما نشاهده في بعض المناسبات الاجتماعية من بذخ الأصناف والإسراف في الأنواع، بوح الصورة يشجو بالحزن أمام ما ينفق من الأموال ويهدر من الأطعمة. وإن بسطت الدنيا يديها بالوفرة فلا نجاريها بالتبذير وبفضل الله وسائل الإرشاد أصبحت متاحة في كل وقت وزمان ونملك من التقنية ما يمكننا السيطرة وإعادة جدولة حياتنا الاقتصادية، نتطلع فقط إلى اختيار الحلول الأوفر عطاءً والأقل تبذيراً قال تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ).