في الليالي المنصرمة طُويت صفحات بطولتي أمم أوروبا وكوبا أميركا، فما بين ميامي وبرلين شهدنا سطوة الإسبان والأرجنتينيين، لتسفر البطولتان عن قواسم مشتركة بين المتوجَيْن بالبطولتين، فكلاهما (لاتيني) وناطقان باللغة ذاتها، بل قد يشتركان كذلك في الأعراق إذا ما سلمنا بتصنيف «ماريو سامبارينو» لدول أميركا اللاتينية، على أساس تصنيف إلمان سيرفس من حيث الثقافة والمجتمع والهوية الوطنية، حيث اعتبر بهذا التصنيف الأرجنتين ضمن (أميركا الأوروبية). اللاتينوس وصراع العروش وليس ببعيد عن صفحات التاريخ فقد شهدت نسختا الأمم الأوروبية وكوبا أميركا فك ارتباط كل من إسبانيا والأرجنتين مع منافسيهما من حيث تساوي الأرقام معهما بالتتويج بالبطولة، حيث تربعت إسبانيا على عرش الكرة الأوروبية ب 4 بطولات لتفض شراكتها مع ألمانيا قبل هذه النسخة، كذلك تمكنت كتيبة بلاد الفضة من اعتلاء عرش كرة القدم في القارة الأميركية اللاتينية لتزيح منافستها أوروغواي ذات ال15 بطولة وتنفرد باللقب ال16 في خزانتها. شيء من ملك اللعبة لا يختلف اثنان من متتبعي بطولة كوبا أميركا على أنها الأقل عطاء من جانب «ملك اللعبة» ليونيل ميسي، على صعيد الأداء ومن حيث الأرقام، رغم دخوله للبطولة مع إصابة مزمنة غير أننا لا نختلف على أن «شيئاً من ملك اللعبة» كان كفيلاً لحصول راقصي التانغو على البطولة، فحضوره يضفي قيمة مضافة وثقافته التنافسية صنعت فريقاً يلعب من أجل (وطنه وقائده)، وكانت لحظات خروجه من النهائي مليئة بالمشاعر الحزينة المختلطة بقوة العزيمة على تقديم منجز آخر يضاف لخزائنهم المتخمة بالبطولات، وهذا ما انعكس على كل اللاعبين وألقى بالحمل عليهم ليعودوا بالبطولة مجدداً إلى بيونس آيرس. يامال عاد بالآمال رياح الأيام وعواصفها وتقلباتها ألقت بصانع الآمال من الشمال المغربي -حيث مدينة العرائش ذات الطابع الأمازيغي، والممتدة على سواحل المحيط الأطلسي على الضفة اليسرى من وادي لوكوس- لتسوقه إلى مجد مبكر كان خلالها حاملاً آمال اللاروخا الغائبة منذ أكثر من اثني عشر عاماً. الفتى الصغير قُدِّرَ له أن يترعرع تحت عيني «ميسي» ليتشارك معه المكان ذاته الذي صقل نشأة كل منهما كروياً «لاماسيا برشلونة»، تلك الصبغة ل»لاماسيا» ألقت بظلالها على مشوار الفتى يامال، وخاض أولى معاركه الدولية في اليورو وهو دون ال17 من عمره، حيث قاده طموحه الكروي ليكون المؤثر الأول في أداء المنتخب، كذلك من حيث الأرقام الفردية، فقد صنع أرقاماً تاريخية مكنته من تحقيق لقب أصغر مشارك وأصغر مسجل وصانع للأهداف في تاريخ البطولات الدولية، بل أصبح أول إسباني في التاريخ يساهم بأكثر من 4 أهداف في بطولة دولية واحدة. نافذة أمل استطاعت إسبانيا من خلال بطولة اليورو 2024 -وعبر أدائها الكروي الجميل الممزوج بالتكنيك والتكتيك العالي المليء بالفكر من حيث الحلول لمختلف ظروف ومجريات المباريات- أن تعيد شيئاً من الأمل لدى عشاق كرة القدم الجميلة لمشاهدة لوحات فنية رائعة سطرت في ملاعب اليورو على غرار تلك اللوحة الفنية التي رسمها لامين يامال في مرمى فرنسا والتي ستبقى ذكرى خالدة وماتعة في أذهان عشاق الساحرة المستديرة، فقد أرهقهم ملل تغليب التكتيك الفني على حساب لعب كرة قدم شاملة جاذبة للأنظار.