تكشفت الفوضى في المطارات في جميع أنحاء العالم عن عودة قسرية للطوابير الطويلة وبطاقات الصعود الورقية المكتوبة باليد بالحبر الأزرق. تقطعت السبل بالمسافرين، وتأخرت رحلاتهم إلى أجل غير مسمى، فشلت أجهزة ويندوز الضرورية لتشغيل عمليات الطيران، بعد تحديث معيب من شركة الأمن السيبراني كراود سترايك، استبدلت همهمة الكفاءة المعتادة بالهمس المحبط والموظفين المحمومين الذين يحاولون إدارة التداعيات، تحديث يقذف العالم إلى الماضي بسرعة البرق عندما كان يراد منه أن يدفع العالم عدة أمتار إلى المستقبل. وسط هذا الاضطراب الذي يحدث في العالم، في جناح لأحد الفنادق الفارهة في نيويورك، يجتمع عدد من المسؤولين التنفيذيين في غوغل حول طاولة صغيرة يناقشون صفقتهم القادمة، كان الجو مشحونا بالترقب، الموضوع المطروح: الاستحواذ على الشركة الناشئة (ويز) المتخصصة في الأمن السيبراني مقرها نيويورك. تبلغ قيمة هذه الصفقة نحو 23 مليار دولار، وستكون أغلى عملية استحواذ لغوغل، أي ما يقرب من ضعف ما دفعته مقابل موتورولا موبيليتي في عام 2012. التناقض بين الفوضى في المطارات ومفاوضات غوغل صارخ. تتخصص (ويز) في الأمن السحابي، وهو مجال حرج مع انتقال المزيد من الشركات والخدمات الأساسية عبر الإنترنت. يمكن أن يؤدي دمج تقنيات (ويز) إلى تعزيز الأمن السيبراني لخدمات غوغل السحابية، مما يحمي ليس فقط الشركات ولكن أيضا البنى التحتية الحيوية مثل المطارات والبنوك. كانت العلاقة بين هذه الأحداث واضحة، أظهر انقطاع نظام التشغيل ويندوز، الناجم عن تحديث كراود سترايك المعيب، العواقب الكارثية لعدم كفاية التدابير الأمنية. وأكد على أهمية الأنظمة المرنة القادرة على تحمل التهديدات السيبرانية والأعطال التقنية والتعافي منها بسرعة. بالعودة إلى المفاوضات، أصبحت المناقشات أكثر كثافة، أدرك المسؤولون التنفيذيون في غوغل أن الطلب على الحلول الأمنية المتقدمة سيرتفع، الوقت ليس في صالحهم. أصبحت التهديدات السيبرانية أكثر تطورا وانتشارا، مما دفع الشركات إلى الاستثمار بكثافة في الأمن السيبراني ليس فقط لحماية البيانات ولكن أيضا لضمان استمرارية الأعمال والحفاظ على ثقة العملاء. كان انهيار أنظمة ويندوز صورة واضحة للمخاطر المتوقعة، كان بمثابة دعوة للاستيقاظ للمنظمات لإعادة تقييم تدابيرها الأمنية والاستثمار في أنظمة أكثر مرونة، يمكن أن ينظر إلى استحواذ غوغل المحتمل على (ويز) على أنه خطوة استباقية نحو منع مثل هذه الاضطرابات في المستقبل، لكنه ربما ينظر إليه الآن باعتباره حركة احتكارية في عالم تقني هش. الأحداث الجارية ستكشف عن تبعات المأساة التقنية، على مستوى شركات أمن المعلومات، قد ترتفع قيمة الشركات الجديدة الواعدة وتنخفض الأخرى التقليدية، فقد ترتفع قيمة (ويز) ارتفاعا صاروخيا مثلا، خصوصا إذا دخلت مايكروسوفت على خط المفاوضات. المفارقة هنا، أن الانهيار الكبير مصدره منتج لأمن المعلومات، وهو ما يعيد إلى أذهاننا المثل العربي القديم: من مأمنه يؤتى الحذر.