مع نجاح موسم حج 1445 تبدأ عجلة الاستعداد للموسم القادم بتفكير مختلف واستراتيجيات متنوعة وتدارس للإيجابيات والسلبيات، والأمر هنا عادي ولكن الأمر غير العادي أن رحلة خدمة الحجاج، ليست عملاً اعتيادياً من الحكومة السعودية، فهي التي شرفها الله بخدمة ضيوف الرحمن، وضعت هذه الخدمة كأحد برامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030، ووضعت له مستهدفات منذ انطلاق الرؤية، وتتم متابعة تحقيق هذه المستهدفات باهتمام كبير من القيادة الحكيمة، وبصورة مباشرة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، ليكون هدف رؤية 2030 الخاص ببرنامج خدمة ضيوف الرحمن تحقيق تجربة ثرية لتوفير الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء الحج والعمرة، وإثراء وتعميق تجربتهم الدينية، بالعمل المتواصل على رفع مستوى جودة الخدمات المقدمة، وتهيئة الحرمين الشريفين، وتحقيق رسالة الإسلام العالمية، وتطوير المواقع التاريخية الإسلامية والثقافية، وإتاحة أفضل الخدمات لهم قبل وأثناء وبعد زيارتهم لمكةالمكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، وعكس الصورة المشرِّفة والحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن. وإذا نظرنا للأفق المستقبلية للدور السعودي العظيم في خدمة ضيوف الرحمن، نجد أن التفكير الخاص بهذه الأفق هو تفكير "الحالمين" بكل ما تجسده هذه الكلمة ويتطلع لها سمو ولي العهد سواء باختيار الحالمين من القيادات أو المشاريع التنموية غير العادية والتي نعيش تفاصيلها في بلادنا وبأرقام قياسية. العناية بالمشاعر المقدسة البعض -للأسف- ينظر لمناسك الحج والدور السعودي بأفق ضيق، وهذه هي الإشكالية الكبرى التي نعاني منها، كون -وبشفافية- أن الكثير من منجزاتنا غير العادية في العناية بالمشاعر المقدسة وخدمة ضيوف الرحمن، لم تأخذ نصيبها الإعلامي المستحق لإنصافنا، فنجد أنفسنا محاطين في كل عام بهجوم إعلامي مستعر، وهذا طبيعي نتيجة للشرف الكبير الذي وهبه الله لبلادنا بوجود الحرمين الشريفين وقيادتها للعالم الإسلامي وكونها مهوى أفئدة المسلمين. ومع رحلة الحج وتخصيص المليارات من الريالات لتطوير البنى التحتية ودعمها لاستيعاب أكبر عدد من زوار الحرمين الشريفين من معتمرين وحجاج، نجد أن التنمية هنا لا تتوقف على الأفكار التقليدية والميزانيات المالية الضخمة، فنجد أن من أهم مستهدفات رؤية السعودية الخاصة بخدمة ضيوف الرحمن حتى عام 2030 تعتمد على عناصر مهمة وغير تقليدية كمستهدفات رئيسة، والجميل أننا وقبل 2030 نلاحظ أن عجلة تحقيق هذه المستهدفات يتحقق وقبل وقتها بفترة قياسية وبأساليب أكثر تطوراً، فالمستهدفات التي وضع لها تاريخ للتحقيق حتى 2030 وهي: تجربة تحولية مهيأة بأحدث الابتكارات. تقديم خدمات تخلق تجربة فريدة تتخطى تطلعات ضيوف الرحمن. تحقيق نسبة رضا 90 % لضيوف الرحمن عن الخدمات المقدمة لهم خلال الرحلة. هي مستهدفات غاية بالأهمية وسامية ومستقبلية وفيها نظرة مستقبلية تتعدى الأحلام التي يمكن تحقيقها، فالابتكار والكثير من الأفكار الخلاقة أو ما نطلق عليها مجازاً "خارج الصندوق" لمسناها خلال حج هذا العام 1445، وبتنوع من جهات متعددة كلٌ بمجاله، فلم يعد مفهوم الحج تنظيم حشود وإجراءات أمنية اعتيادية وخدمات فندقية ولوجستية تقليدية، الأمر تعدى ليكون الحج تجربة ثرية وغير مسبوقة عالمياً، نجحت العديد من الجهات الحكومية في تقديم تجربة نوعية مختلفة وابتكارية تمثلت بقيمة مضافة لخدماتها، بصورة أكثر تطوراً وإبداعاً وتفرداً بالأفكار متمثلة بجهات أبرزها: وزارة الداخلية، وزارة الحج والعمرة، وزارة النقل والخدمات اللوجستية، وزارة الصحة، وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، الهيئة السعودية للمياه، الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، المركز الوطني لإدارة النفايات التابع لوزارة البيئة والمياه والزراعة. فتميزت هذه الجهات ومن خلال مبادراتها النوعية هذا العام، بتوافقها مع مستهدفات الرؤية الخاصة بالابتكار ودعمه، ليكون ميزة مختلفة في موسم الحج، لتمكين أكثر من مليوني حاج من أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة وبتجربة ثرية، ليكون حج 1445 "عام الابتكار بالحج"، والجميل أن المجال في التطوير مستمر ولا يتوقف، حسب المستهدفات المتوقعة للسنوات القادمة. عمل غير تقليدي والحقيقة أن تناول الابتكارات والأفكار والعمل غير التقليدي خلال حج هذا العام، يحتاج لتناوله بصورة أكثر توسعاً ودراسة عميقة لما تم، ولكن نجد أننا أمام خطوط رئيسة تم تنفيذها وبنجاح لخدمة الحجاج، فكانت تقنية "الذكاء الاصطناعي"، حاضرة وبصور إبداعية بهذا الخصوص، وتم الاستفادة منها وتسخيرها في خدمات عديدة ومنها وبصورة مهمة في إدارة الحشود ودعم اتخاذ القرار في عمليات التفويج، كما كان الذكاء الاصطناعي حاضراً وبصورة ملموسة وحيوية في الرعاية الصحية عن بعد، وكذلك تقنية إنترنت الأشياء في دعم اتخاذ القرار في عمليات النقل وتسيير المركبات. وبمجال النقل والخدمات اللوجستية كان هناك عمل إبداعي في تسخير التقنيات الحديثة والابتكار بهذا المجال الخدمي الحيوي، فكانت تقنية "الدرون" لفحص وتقييم شبكة الطرق باستخدام المسح الحراري. ومن أبرز المبادرات التي تم إطلاقها "التاكسي الجوي" ذاتي القيادة لأول مرة، كأول تاكسي جوي في العالم، لنقل الحجاج بين المشاعر المقدسة، خصوصا في حالات الطوارئ ونقل المعدات الطبية، وأيضاً تقديم الخدمات اللوجستية عبر نقل البضائع. وبرزت مبادرة "تبريد الطرق" المبتكرة، حيث تم العمل على تنفيذ المبادرة في أكثر من موقع ومنها المنطقة المحيطة بمسجد نمرة في عرفات بإجمالي مساحة تتجاوز 25 ألف متر مربع، مما ساهم في خفض درجة الحرارة بنحو 20 % مقارنة مع باقي الطرق. وتطوير خدمة "حج بلا حقيبة" التي تُعنى بنقل وشحن أمتعة الحجاج وذلك من مختلف مناطق المملكة إلى المشاعر المقدسة والعكس لحجاج الداخل، مع مسار يخدم حجاج الخارج من المطارات إلى الفنادق ومن الفنادق إلى المطارات في رحلة الإياب. و"الأسوارة الذكية" المحدثة في قطار المشاعر المقدسة، التي المربوطة بتطبيق يعمل عبر الأجهزة الذكية، ويحتوي دليلاً إرشادياً متكاملاً للحاج. وكذلك "تطبيق الأجرة" الذي ساهم في توفير وسائل نقل متعددة بمركبات حديثة مجهزة بأفضل الخدمات وتتضمن وسائل دفع متعددة تشمل الدفع الإلكتروني. وتقنية سيارة الرصد الآلي التي تصل دقتها في تحديد نوع المركبة إلى 99 %، وتقنية الفحص الفني على جانب الطريق عبر محطات متنقلة تسهم في فحص المركبات بسرعة ودقة. ونظام "رصد تساقط الصخور" على عقبة الهدا، عبر عدد من الكاميرات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، حيث يعمل النظام على إغلاق العقبة فور رصد أي تحرك للصخور خلال 60 ثانية. وتجربة خلط المطاط مع الخلطة الإسفلتية في طريق المشاة الرئيس التي طُبقت للمرة الأولى، لتعزيز الراحة والسلامة لضيوف الرحمن. الروبوتات الذكية ووجدنا وبدعم وإشراف رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، وبمجال حيوي مباشر تقنية "الروبوتات الذكية"، لتوجيه الحجاج بكيفية أداء المناسك والإفتاء، وتقديم الفتوى إلكترونياً في الحرم، والترجمة الفورية ب11 لغة عالمية، والرد على استفسارات السائلين الشرعية، بالإضافة الى بناء أكبر "محطة تبريد في العالم لتنقية الهواء" في المسجد الحرام، لتلطيف الأجواء وتبريدها على حجاج بيت الله الحرام. وفي مجال قطاع المياه الحيوي والمهم لخدمة ضيوف الرحمن كشريان للحياة، وفي بلد يعاني من شح هذا المياه من مصادرها الطبيعية، سخرت الهيئة السعودية للمياه وبصورة مبتكرة ثلاثة بوارج عائمة بالبحر الأحمر لتعزيز مصادرَ الماء لضيوف الرحمن، حيث تعد أكبر محطات متنقلة لتحلية المياه في العالم، ويبلغ حجم البارجة الواحدة عشرين ألف متر مكعب تعمل عليها كوادر وطنية عالية التأهيل، تشكل دعمًا إضافيًّا لسلسلة الإمداد المائي في موسم الحج. لتكون هذه البوارج مساهمة وبشكل ملموس في دعم سلاسل الامدادات المائية مع إنتاج المحطات الرئيسة على ساحل البحر الأحمر، لتشكل بإنتاجها اليومي "أنهاراً من المياه العذبة" تتدفق وبأساليب ابتكارية ونوعية لتسقي ضيوف الرحمن، وعبر مسافات يتجاوز أطوالها مئات الكيلو مترات بباطن الأرض من البحر الأحمر إلى مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة، وصلت إلى ما يقارب خمسة مليارات لتر من المياه العذبة، خلال خمسة أيام فقط "أثناء تأدية المناسك" في شهر ذي الحجة. أما الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" فساهمت بتطوير وإطلاق منصتي: "بصير" و"سواهر" الذكيتين، و"بصير" عبارة عن منصة وطنية ذكية تعتمد على عدة أنظمة تقنية تعمل بخوارزميات وطنية تُعنى برصد وإدارة الحشود في المسجد الحرام، والتعرّف على السلوكيات وتعابير الوجه، وعدْ الأشخاص في المطاف والمنطقة المركزية للمسجد الحرام، وتحديد كثافة الأشخاص في المطاف، والكشف عن التائهين مع تطوير نظام يعطي قراءات صحيحة لمعرفة مناطق الزحام القريبة من المسجد الحرام لتسهيل حركة سير المركبات، ويعد بصير أول نظام رؤية حاسوبية لحظي على مستوى المملكة. أما منصة "سواهر" فهي عبارة عن منصة تتبنى تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي في تحليل بث وتسجيلات الفيديو والصور الملتقطة بواسطة الكاميرات الحرارية لتحلل وتتعرف على عدد الحجاج وتحديد مواقع التكدس فضلاً عن قياس حركة السير لمعالجة أي حدث طارئ في وقته. وساهمت وزارة الداخلية السعودية، بالتعاون مع (سدايا) بإطلاق "الكاونتر المتنقل" والمعزز بالذكاء الاصطناعي، والذي يعتبر من ضمن الحلول الرقمية المبتكرة التي يمكن من خلالها إنهاء إجراءات المستفيدين، بما في ذلك كبار السن وذوي الإعاقة، آليًا دون الحاجة إلى التوجه إلى مراكز الخدمة وذلك ضمن مبادرة طريق مكة لخدمة ضيوف الرحمن، ولتعزيز جودة الخدمات المقدمة لهم، وتسهيل إجراءاتهم، وتقليل زمن الانتظار. "المخيم النموذجي" أما المركز الوطني لإدارة النفايات (رسمي) فنجح بتقديم مبادرة "المخيم النموذجي"، التي تركز على تطبيق معايير الإدارة المستدامة للنفايات الصلبة في مخيمات الحجاج، باستخدام جهاز تحويل بقايا الطعام إلى محسنات التربة، لأول مرة داخل المشاعر المقدسة، ويتميز الجهاز بقدرته الفائقة على استيعاب نحو 200 كيلوغرام من بقايا الطعام وتحويله إلى كمية من السماد تقدر ب 10 بالمئة من كمية الطعام المدخل في الجهاز، خلال 12 إلى 18 ساعة فقط، دون أي انبعاثات أو روائح تصدر منه أثناء عملية التدوير. وبطبيعة الحال هناك العديد من الابتكارات والتطوير بالعمل فيما يختص تجربة الحج الثرية، والتي تحتاج بالفعل للحديث عنها وإبرازها إعلامياً، كمنجزات لا تمثل الجهات التي تقدمها، وانما هي منجزات نفتخر بها جميعاً، فكانت الأفعال حاضرة وبصورة مبتكرة، تجعلنا ننتظر المزيد من العمل المتقن والمزيد من الأفكار الخلاقة التي تتوافق مع تطلعات القيادة الحكيمة وتحقق طموحات وأفكار عراب رؤية 2030 سمو ولي العهد -حفظه الله-، الذي يقف خلف هذه الإنجازات الحالمة ويدعمها بصورة ملموسة، يحق لنا أن نفتخر بما حبانا الله في مملكتنا من الشرف العظيم لخدمة ضيوف الرحمن، الخدمة الفريدة التي نتشارك في أدائها كلٌ في مجاله. وزير النقل صالح الجاسر رئيس الهيئة السعودية للمياه المهندس عبدالله العبدالكريم توسع في استخدام التقنيات في الحرمين الشريفين تقنية «الدرون» لفحص وتقييم شبكة الطرق باستخدام المسح الحراري