جاء منتدى المياه السعودي في دورته الثالثة لعام 2024م الذي نظمته وزارة البيئة والمياه والزراعة بالرياض، خلال الفترة (29 أبريل - 1 مايو 2024م) تحت شعار "استدامة المياه مسؤوليتنا جميعاً"؛ بهدف توفير منصة دولية علمية تجمع نخبة من التنفيذيين والمختصين والباحثين والمهتمين والمستثمرين في مجال المياه بغية مناقشة التحديات التي تواجه قطاع المياه للتصدي لها وغربلتها ومعالجتها ووضع حلول تكاملية فعالة لتوفيرها واستدامتها. وهذا المنتدى ما هو إلا امتداد لما قدمته المملكة في قطاع المياه على مدى عقود من تجارب عالميةٍ وخبرات رائدة في قضايا إنتاج وتحلية ونقل وتوزيع المياه ووضعها على رأس جدول الأعمال الدولية التي تبنتها واحتضنتها المملكة سعيًا منها لوضع الخطط الاستراتيجية لضمان الأمن المائي لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. ومن المشاهد أن الزيادة السنوية في الطلب على المياه في المملكة تتراوح ما بين 7 إلى 8 في المائة وهي نسب نمو عالية تواكب النمو السكاني من جهة والتوسع في قطاع البناء والتشيدد والبنى التحتية من جهة أخرى. لذلك; فإن لدى وزارة البيئة والمياه والزراعة خططًا مستقبلية لمشاريع للمياه سيجري تنفيذها على مدى السنوات القادمة بتكاليف قد تصل إلى 200 مليار ريال ستخصص لإقامة تلك المشاريع والتي منها إنشاء وتحديث خزانات المياه وشبكات النقل والتوزيع وإقامة السدود للاستفادة من موارد المياه المتجددة، كما أن لدى الوزارة مشاريع طموحة لاستغلال والاستفادة من الطاقة المتجددة في تحلية المياه المالحة إلى جانب برامج لخفض حجم المياه المهدرة والتي تبلغ حوالي 20 في المائة من استهلاك المياه (مليون متر مكعب يوميًا) بدأ منذ سنوات بالتعاون مع شركة المياه الوطنية بغية تخفيض هذا الهدر إلى المستوى المستهدف (5 في المائة) والذي يُعزى في الغالب إلى تقادم شبكات النقل المستخدمة في نقل المياه، كما أن تعرفة استهلاك المياه تعتبر الأقل مقارنة بالمستويات العالمية، لذا فإن ثمة حاجة إلى فترة من الوقت حتى تتواءم تعرفة البيع مع تكلفة الإنتاج وزيادة في توفير الأمن المائي، كما أن لدى المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة استثمارات لثلاثة مشاريع كبرى حيث إن خطط النمو في الاعتماد على المياه المحلاة ترسم حجم طلب يصل إلى 3 أضعاف حجم الطلب القائم حاليا. لذلك تعد استدامة الموارد المائية من أبرز وأهم القضايا التي يتم بحثها ومناقشتها على الصعيد العالمي، وتأتي كأبرز التحديات التي تواجه المملكة، في ظل ندرة الموارد المائية والنمو السكاني المطّرد؛ مما يجعل الطلب على المياه لكافة الأغراض متناميًا ومتسارعًا، كما أن النمو الاقتصادي وما يصاحبه من ارتفاع في مستوى المعيشة وتحقيق أهداف برامج جودة الحياة ورفاهية وراحة المواطن، فكل ذلك يسهم في زيادة الطلب على موارد المياه ووجوب تلبيته على الرغم من محدودية وشح تلك الموارد، وانطلاقًا من مسؤولية وكالة المياه بوزارة البيئة والمياه والزراعة ودورها الرئيسي في رسم الاستراتيجيات وإجراء الدراسات وإدارة الأبحاث، لذلك كان منتدى المياه السعودي أحد تلك الاستراتيجيات الوطنية التي تتبناها الوزارة، ونظرًا للإنجازات التي حققها المنتدى في دوراته السابقة، والنجاح الذي حظي به بإشادة مجلس الوزراء الموقر وكذلك التقدير المُشرِّف من الجهات والمنظمات والشخصيات الدولية المشاركة بوصفه أحد أهم الأحداث محليًا وإقليميًا ودوليًّا من خلال توفير منصة لالتقاء خبراء القطاع والمهتمين في قطاعات المياه، حيث يهدف إلى جمع المطورين والمستثمرين والمتخصصين والباحثين في تلك القطاعات مع الجهات الرسمية ذات العلاقة متمثلة في وزارة البيئة والمياه والزراعة، والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة وشركة المياه الوطنية والشركة المالكة لشراكات المياه، والمؤسسة العامة للري، وشركة نقل وتقنيات المياه، ومنظم المياه، والمركز الوطني لكفاءة وترشيد المياه (مائي) لتقديم خبراتهم وممارساتهم واستراتيجياتهم تجاه التوجهات الإقليمية والدولية للوصول إلى حلول شمولية وتكاملية للمشاكل المعقدة والتحديات الشائكة التي تواجه قطاع المياه، وتستعرض أفضل الممارسات والتجارب الناجحة في تطوير مشاريع المياه التي تتوافق مع احتياجات المملكة وتساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمحافظة على التنمية الزراعية في المستقبل، إضافة إلى ما يعرضه منتدى المياه السعودي من فرص استثمارية لتطوير هذا القطاع الحيوي وتشجيع القطاع الخاص المحلي والدولي للمساهمة في إنمائه وتطويره واستدامته. ولعل من أهم أوجه التطوير التي تسعى المملكة جاهدة للوصول إليها وتحقيقها يتبدَّى جليًّا فيما اتخذته الوزارة من مبادرات نذكر منها: برنامج التحول المائي الذي يهدف إلى تحسين كفاءة استخدام المياه في مختلف القطاعات، وتطوير مصادر المياه البديلة كالتحلية وإعادة استخدام المياه المعالجة، كذلك مشاريع تحلية المياه حيث تم تنفيذ العديد من مشاريع المياه الجوفية وتحلية مياه البحر لزيادة إمدادات المياه النظيفة والنقية الصالحة للشرب والاستخدام الآدمي للمناطق المختلفة، أيضًا إعادة استخدام المياه المعالجة حيث تم تطوير البنية التحتية لمعالجة المياه الرمادية والعادمة وإعادة استخدامها في الزراعة والصناعة وبعض الاستخدامات الأخرى. كذلك تم تنفيذ مشاريع لحفر آبار جديدة وإعادة تأهيل الآبار القديمة لحماية وتعزيز المخزون المائي الجوفي، كذلك ترشيد استهلاك المياه حيث تم إطلاق حملات توعوية ووضع تشريعات وأدوات لتحفيز وتشجيع ترشيد استهلاك المياه في قطاعات مختلفة، كذلك جرى تطوير تقنيات الرَّيِّ الحديثة وتشجيع المزارعين على استخدامها كالري بالتنقيط والري الذكي لتحسين كفاءة وترشيد استخدام المياه في الزراعة. ولو نظرنا لبعض المشاكل والعوائق التي تعاني منها المملكة من حيث مصادر المياه العذبة لوجدنا ندرة وشحًّا فيها مما يجعل الاعتماد على المياه المحلاة حاجة ملحة وضرورة حتمية لا غنى عنها بغض النظر عن تحدياتها وتكاليفها الاستثمارية الباهظة لانتاجها ومعالجتها وجعلها صالحة للشرب الباهظة. وكان من أهم التوصيات التي تمخضت عن المنتدى ما يرتكز على تعزيزالتثقيف وتعميق الوعي بأهمية المياه والإحاطة بالمشاكل والتحديات التي تواجه قطاع المياه في المملكة من خلال إعداد منصة للتواصل والتفاعل بين الخبراء والباحثين والمختصين في مجال المياه، لتبادل التجارب الناجحة والحلول الناجعة والتحديات المشتركة التي من شأنها العمل على إيجاد وتطوير مصادر للمياه وإيجاد حلول تضمن كفايتها وموثوقيتها واستدامتها، كما يساهم المنتدى في تطوير وتعزيز السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بالمياه من خلال مناقشة القضايا الراهنة وتحليل البيانات والمعلومات العلمية، كما يعمل على توسيع وتعزيز التعاون الدولي في مجال المياه، حيث بجمع عددًا من ممثلين لدول مختلفة لتبادل الخبرات والتجارب والتعاون في مجال إدارة وحماية واستدامة الموارد المائية وترشيد الاستهلاك وتحقيق التنمية المستدامة من خلال التعاون والتفاعل بين جميع الأطراف المعنية، كما أنه نظرًا لندرة المياه بالمملكة ولعلاج المشكلات التي تواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية وللمحافظة على التنمية الزراعية في المستقبل فلا بد من جملة من الإصلاحات؛ لزيادة القدرة المائية في السنوات القادمة ومنها تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج المياه المحلاة، وربما في المستقبل التصدير إلى الدول المجاورة، كذلك تخصيص استثمارات كبيرة في مجال البحث والتطوير لابتكار تقنيات تحلية أكثر تقدمًا وأعلا كفاءة، أيضا التطلع نحو بناء شركات دولية من شأنها أن تعزز من شراكاتها الدولية لنقل المعرفة والخبرات في مجال تحلية المياه مما يؤدي إلى الاستفادة من التطورات التقنية الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتحسين كفاءة وأداء محطات التحلية. هذه هي أبرز ما تمخض عنه منتدى المياه السعودي وأهم المبادرات التي اتخذتها الوزارة لتأمين الوضع المائي في المملكة، وهي جهود نشطة ومبادرات خيِّرة ينتظر أن تسير على وتيرة ثابتة وبخطى حثيثة في السنوات القادمة بعون الله. جامعة الملك سعود