عندما تنظر إلى الأمم المتقدمة على مر العصور والدهور تجد أن حضارتهم وسر تقدمهم يكمن في استثمارهم الأمثل للموارد البشرية، فرأس المال وحده كما نعلم لا يكفي للنهوض بالأمم والشعوب؛ إذ لا بد من التوازن الإستراتيجي بين الموارد المالية والبشرية، ولذلك تحرص الدول المتقدمة على الاهتمام بالعنصر البشري وتنمية قدراته منذ الصغر من خلال التعلم والتعليم وتشجيعهم على الإبداع والابتكار وتوفير البيئة المحفزة والجاذبة التي تسهم في استقرارهم وتقدمهم وهذا هو سر نجاحهم الأكبر، بعكس بعض الدول النامية التي قد تجد صعوبة في التنمية الاقتصادية فبدلاً من اهتمامها بتعليم أبنائها وتشجيعهم على النبوغ من خلال الجامعات أو الابتعاث تجد معظم أبنائهم يهاجرون إلى الخارج لوجود الممكنات التي تستوعب طاقاتهم المعرفية ولتحسين جودة الحياة، وهذه واحدة من أسرار تخلفهم عن الأمم المتقدمة وهي هجرة العقول. إن الأوطان لا يمكن أن تنمو وتزدهر إلا بسواعد أبنائها وبناتها وتنمية قدراتهم العلمية والعملية، بالإضافة إلى غرس وتعزيز القيم والهوية الوطنية في قلوبهم ورفع كفاءتهم العلمية والرقي بأفكارهم حتى يكونوا نبراساً ونموذجاً فريداً يساهم في بناء أوطانهم والارتقاء بها، وتعد الأسرة حجر الزاوية في تحقيق التنمية المستدامة لأوطانها من خلال تشجيع الأبناء على التعليم والتدريب المستمر، إلا أن البعض قد يستخسر استثمارهم في التعليم والتدريب والبناء المعرفي ويرى أنه يمكن أن يعيش هو وأبناؤه بدون ذلك، وقد ينفق في الكماليات أضعاف ما ينفقه في الرقي المعرفي، ولا شك أن هذه نظرة قاصرة وتصور ناقص عن الحياة وفكر فرداني، فالعاقل هو من يفكر في مجتمعه ووطنه والرقي به ويساهم في تقدمه باهتمامه بمن يعول وتنشئتهم النشأة الحسنة، ولنعلم أن الإنسان كلما ارتقى في التعلم والتعليم كلما صان نفسه وتهذبت أخلاقه وقل اعتماده على الآخرين وكان أبعد عن مواطن الجريمة والفساد. إن العنصر البشري عنصر إستراتيجي في دفع عجلة الحياة والتنمية، وينعكس إيجاباً على مسيرتها التنموية في المستقبل واستدامة عجلة الحياة، فكلما قوي الاقتصاد ونما كانت الحاجة للعنصر البشري أشد، ولا ريب أن أي خلل في هذه المعادلة يحدث خللاً كبيراً في التنمية وعمارة الأرض وازدهار الوطن ونموه، ولأهمية ذلك عملت مملكتنا العربية السعودية منذ أن تأسست على الاستثمار في أبنائها والارتقاء بهم من خلال التعليم العام والجامعي ومنحهم فرص الابتعاث إلى الدول المتقدمة لاكتساب العلوم والمعارف المتقدمة، كما اهتمت باستقطاب الكوادر المتميزة من داخل المملكة وخارجها لتعليم أبنائها وتطوير قدراتهم العلمية، ونرى أثر ذلك فنجد أن الكوادر الوطنية أصبحت متميزة ومشاهدة ومحل إشادة محلياً وعالمياً في شتى المجالات والعلوم، كما شجعت رؤية المملكة 2030 على تحسين جودة الحياة والتعلم والتعليم والإبداع والابتكار في جميع جوانب الحياة، فالشكر لله عزوجل أولاً ثم للقيادة الرشيدة في بلادنا ثم لشعبنا الذي جعل من التحدي سلماً للصعود إلى النجاح، فهمتهم مثل جبل طويق لن تنكسر وطموحهم عنان السماء كما ذكر ولاة أمرنا -حفظهم الله-، فنسأل الله أن يديم علينا أمننا وقيادتنا وعلماءنا وأن يحفظ بلادنا من كل شر.