تقاربت المجر بشكل واضح من الصين خلال عهد رئيس الوزراء القومي فيكتور أوربان بخلاف دول الاتحاد الأوروبي، وجذبت استثمارات صينية بمليارات اليورو وباتت تنتشر فيها مشاريع لبناء مصانع كثيرة، كما تقاربت مع روسيا بالقدر نفسه. ويُتوقع أن يصل الرئيس الصيني شي جينبينغ مساء اليوم إلى بودابست في المحطة الأخيرة من جولته الأوروبية، بعدما زار فرنسا وصربيا. وأشاد وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو ب"زيارة تاريخية"، مذكراً بأن أي رئيس صيني لم يزر الدولة الواقعة في وسط أوروبا منذ عقدين من الزمن. ويبتعد الرئيس شي في المجر عن الحزم الذي أظهره له الأوروبيون على خلفية التوترات التجارية المتراكمة وعن انتقادات تلقاها بشأن الملف الأوكراني، إذ يصل إلى دولة مقرّبة. واعتبر تاماس ماتورا الأستاذ المشارك في جامعة كورفينوس في حديث لوكالة فرانس برس أن شي "يرسل إشارة إلى الاتحاد الأوروبي" باختياره التوجه إلى المجر "أكثر دولة مؤيدة علناً للصين" من بين دول الاتحاد ال27. ويرى فيكتور أوربان أن زيارة شي تمثل "نجاحاً دبلوماسياً" هو ثمرة سياسته في الانفتاح على الشرق. فمنذ وصول أوربان إلى السلطة في العام 2010 حاول جذب الصين. وعندما ابتعدت بروكسل عن بكين، عزّز هو في المقابل علاقات بلاده معها، رافضاً المواجهة الأيديولوجية بين "الكتل". وخالفت المجر الاستراتيجية الأوروبية للحد من المخاطر، وفتحت أبوابها للقوة الآسيوية العظمى التي أصبحت المستثمر الرئيسي في البلاد العام الماضي. ورأى الباحث السياسي يان شيوتونغ من جامعة تسينغهوا المرموقة بعدما زار بودابست مؤخراً أن "العلاقة الثنائية القوية توحي بالثقة للشركات الصينية إذ لا تخشى من تطورات سياسية مزعجة تعطل أعمالها". وشهدت المجر التي تضم 9,6 ملايين نسمة موجة من الاستثمارات الصينية منذ العام 2022، وخصوصاً في مجال السيارات الكهربائية والبطاريات. وازداد انتشار المصانع الصينية في كل أنحاء المجر بسرعة كبيرة. وتُنشئ شركة "كاتل" CATL الصينية العملاقة لصناعة البطاريات مصنعاً ضخماً لها بالقرب من مدينة دبرتسن (شرق)، في حين تعتزم شركة "بي واي دي" BYD البدء بصناعة المركبات السياحية في سيجد (جنوب) اعتبارًا من العام المقبل. وقدّرت الحكومة المجرية المشاريع الحالية بحوالي 15 مليار يورو. وفي المقابل، تستفيد الشركات الصينية من إعفاءات ضريبية، ودعم للبنى التحتية، وعروض عمل. إلى ذلك وقعت المجر عقدًا مع الصين لبناء خط للسكك الحديد فائق السرعة بين بودابست وبلغراد بلغت كلفته ملياري يورو اقترضتها من بكين في إطار مشروع "طرق الحرير الجديدة" المعروف رسميًا باسم "الحزام والطريق" وهو مشروع صيني ضخم للاستثمار في البنى التحتية. ويشمل التعاون بين المجر والصين مجالات عدة. فقد اشترت بودابست لقاحات صينية ضد كوفيد-19، ووعدت باستضافة أول حرم جامعي صيني في الاتحاد الأوروبي، ووقعت مؤخراً على اتفاقية أمنية مثيرة للجدل تسمح بتسيير دوريات للشرطة الصينية في الأراضي المجرية. ويثير هذا الوضع مخاوف المعارضة التي تندد بالغموض الذي يحيط بالعقود، والتأثير البيئي لمصانع البطاريات، والفساد معتبرة أن هذه المشاريع تُثري "دائرة أوربان". وإلى جانب العلاقات الاقتصادية، تمكنت المجر من أن تبدو "مفيدة" لبكين في الاجتماعات المتعددة الأطراف، حسبما رأى تاماس ماتورا. واستخدم فيكتور أوربان الذي ينتقده شركاؤه الغربيون دائماً بسبب ميوله الاستبدادية، حق النقض في الاتحاد الأوروبي عدة مرات لمنع قرارات تؤثر على الصين أو للتخفيف من وطأتها عليها، وخصوصاً في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان. ورأى ماتيج سيمالجيك الباحث في معهد أوروبا الوسطى للدراسات الآسيوية ومقره في سلوفاكيا، أن هذا "المنطق ربما يشمل أيضاً حلف شمال الأطلسي" لأن مواقف المجر العضو في الحلف منذ العام 1999 وشركائها تتباين بشأن روسيا. ويشدّد بيتر سيارتو على أن بلاده "على اتفاق مطلق" مع الصين بشأن القضية الأوكرانية. وتقدم بكين نفسها كطرف محايد وتدعو باستمرار إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا مع المحافظة على تقاربها مع الكرملين، مثل بودابست.