غالباً ما ينشأ سوء التفاهم من الافتقار للجدال المفتوح والمطول، لأن عدم الجدال والنقاش وفهم مغزى الحوار يؤدي إلى سوء الظن، ولكن هل فكرت لماذا نسيء الظن بالآخرين دون وجود حوار حقيقي أو شاهد على سوء ظننا بهم؟ الواقع أننا اعتدنا أن نحمي أنفسنا من الألم أو خيبة الظن، لذلك نقصر في الحديث ونعمد إلى الحل الأسهل، وهو الأحكام المسبقة دون تأكد، وهذا الفشل في عدم إجراء أي محادثات واضحة وصريحة وتشرح وجهة نظرك في أي موقف أو موضوع أو حالة هو الذي يجعلنا نفقد الكثير ممن حولنا، فالمسألة ليست مسألة ربح أو خسارة، هي مسألة إعطاء نفسك والآخر مساحة للجدال المفتوح الذي قد ينتج عنه أفكار مبدعة خاصة لو كانت في محيط العمل، فعندما يلزم الناس أنفسهم بالمناقشات الجادة والصريحة فإنها طريقة فعالة لتقريب وجهات النظر وإقامة علاقات آمنة وفعالة، وإحدى المهارات المطلوبة - سواء على مستوى الحياة الشخصية أو سوق العمل - هي القدرة على الجدال والتفاوض (ناقش، قرر، ادعم)، فعلى مستوى القرارات الأسرية المناقشة فعالة في الوصول لرضا جميع أفراد العائلة وفهم نفسياتهم وتوجهاتهم والنقاش والجدال في أي موضوع يسهل عملية التواصل وفهم جميع الأطراف، ومن ثم اتخاذ القرار الذي يجب أن يدعمه الجميع بكل رضا، فالجدالات والنقاشات ليست حرباً مفتوحة، وليست فوز طرف على الآخر، بل هي محطة وصول لرضا جميع الأطراف والاقتناع بها، ومن ثم دعمها، وكذلك في محيط العمل فالنقاشات تولد أفكاراً إبداعية يشترك في طرحها الجميع وهي وسيلة للخروج من النمطية، فالجدال والنقاش لا يعني الاتفاق، ومن وجهة نظري لا أحب من يتفق معي في كل شيء، وتحضرني مقولة ملك الحلوى ويليام ريغلي: "عندما يتفق رجلان دائماً في العمل، فإن واحداً منهما غير ضروري". فالحياة مليئة بالتحديات اليومية التي تواجهنا، وعلينا أن نكون ممتنين لها، لأنها هي من يجعلنا نفكر ونناقش ونبحث عن حلول، وإذا كنا نؤمن بأنفسنا وقدراتنا فحتماً سنرهف السمع لكل من حولنا وسنناقش ونجادل ليس لإثبات وجهة نظرنا، بل من أجل الوصول لقرار سليم يدعم الموقف أياً كان.