نعيش في هذه الأيام الفضيلة شعيرة عظيمة تتمثل في صيام شهر رمضان المبارك والذي يعد الركن الرابع من أركان الإسلام. قد تختلف الأسباب والدوافع خلف ممارسة الصيام فقد تكون الدوافع تارة من ناحية دينية تعبدية، وتارة أخرى من ناحية صحية جسدية، ولكن أياً كان السبب، يبقى النظام الغذائي والمحافظة عليه إحدى الوسائل الأساسية للمحافظة على الصحة العامة للجسد، حيث يعد الصيام إحدى صور أنظمة الحمية الغذائية المهمة في الوقت الراهن وذلك في ظل تدني النظام الغذائي ومكوناته الغذائية. مؤخراً، بدأ علماء التغذية المختصون بدراسة تأثير الصيام المنتظم على الصحة على المدى الطويل، حيث أثبتت الدراسات خلال العقود الماضية أن الصيام لفترات منتظمة يساعد في تحسين الصحة العامة للجسد وضبط معدل الوزن. ولكن يبقى السؤال هل للصيام تأثيرٌ مباشر على الجهاز المناعي وكفاءة عمله؟ تشير العديد من الدراسات التي أجريت مؤخراً أن فترات الصيام سواءً كانت قصيرة المدة أو طويلة تزيد من كفاءة عمل الخلايا المناعية وبالتحديد خلايا الدم البيضاء مثل الخلايا التائية (T cells) مما يساهم في مقدرتها على تحفيز الاستجابة المناعية ومقاومة الأجسام الغريبة والتغلب عليها، حيث يعمد الجسم في بداية حالات الصيام إلى تدمير عدد من خلايا الدم البيضاء وذلك من خلال توفير الطاقة بعدة وسائل (بديلة عن المصادر الغذائية)، مثل: التخلص من الخلايا الميتة أو التالفة التي لا يحتاجها الجسم، لكنه سرعان ما يعود لتحفيز إنتاج خلايا جديدة، وذلك بدوره يؤدي إلى تعزيز كفاءة عمل الجهاز المناعي وتقويته. مؤخراً، أظهرت الدراسة التي نشرت في مجلة (immunity and ageing) أن الصيام المكثف لفترات محددة يحفز كفاءة الجهاز المناعي من خلال تنشيط مستقبلات ما يعرف بالنظام التكميلي (complement system receptors) الموجودة على سطح خلايا الدم الحمراء وبالتالي المساهمة في القضاء علي العدوى البكتيرية أو الفيروسية على حدٍ سواءً. إضافة الى ذلك، أظهرت الدراسة والتي نشرت مؤخراً في مجلة (Cell Report) بواسطة الفريق البحثي من جامعة كامبريدج أن الصيام يزيد من معدلات المادة الكيميائية والتي تعرف باسم حمض الأراكيدونيك (Arachidonic Acid) وذلك بدوره يساعد في تخفيض معدلات زيادة فرط الحساسية أو الاستجابة المناعية وبالتالي التقليل من خطورة الإصابة بأمراض المناعة الذاتية المتزامنة مع الأمراض المزمنة. مما لا شك فيه أن التحكم بمعدلات السعرات الحرارية يضبط مستويات الطاقة في الجسم وبالتالي يقلل من مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل: أمراض القلب والسمنة، مما يجعل الصيام أحد الخيارات البديلة للتدخل «غير الطبي» للتقليل من حدوث هذه الأمراض ورفع كفاءة عمل الجهاز المناعي والتقليل من فرط الحساسية المناعية، حيث يأتي ذلك متوافقاً مع ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون)، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرّاً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه). بالمختصر: «صوموا تصحوا» و»إذا كانت المعدة بيت الداء، فالحمية رأس الدواء»، فما أجمل أن تجمع العبادة بين أجر العبادة وصحة الجسد! وما أوسع فضل الله لتنال من خيري الدنيا والآخرة! *أستاذ علم المناعة المساعد -كلية العلوم- جامعة الملك سعود