هذه واحدة من أكثر الآيات التي كانت مثار جدل بين المفسرين، إن لم تكن الأكثر فقد اختلفوا فيها اختلاف النقيض للنقيض، وإن اتفقوا جميعاً على أن يوسف لم يقع بالفاحشة، فقد اختلفوا في تفسير الهم. والغالبية العظمى من المفسرين تقول إن يوسف قد هم فعلاً ليواقعها، فلما رأي برهان ربه ارتدع، وبرهان ربه على رأي الفريقين كان صورة يعقوب عليه السلام. فماذا تقول اللغة في هذا الشأن؟! أولاً: الهم لغة كما في لسان العرب هو حديث النفس بالشيء، أي قبل أن يصير فعلاً. وهذا معنى معروف عند العربية ونتكئ على الحديث الشريف في التفسير الهم، قال عليه الصلاة والسلام: (من هم بحسنة ولم يفعلها كتبت له حسنة)، أي من حدثته نفسه بحسنة وعزم على فعلها، إذًا هي في منزلة الفكرة لا في منزلة الفعل. وبما أن الفعل مراودة، أي مفاعلة، فهذا يلزمه طرفان: الأول يراود والثاني إما أن يذعن أو يرفض! هم زليخة بيوسف خرج من دائرة الفكرة لدائرة الفعل وهذا يثبته سياق الآية. والآيات التي بعدها وصولاً لقولها: (أنا رَاوَدَتُهُ عَن نَّفْسِهِ). فماذا عن هم يوسف؟ لو قال الله: ولقد همت به وهم بها، وانتهى عند هذا الحد الكلام لتساويا في الفعل. ولكنه قال: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمْ بِهَا لَوْلَا أَن رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) وهنا مربط الفرس، إن في الآية تقديماً وتأخيراً غفل عنه الكثيرون. وتقدير الكلام: ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. لولا: حرف امتناع لوجود، كقولك: لولا غلاء السعر لاشتريت الثوب، فإذاً أنا لم اشترِ.