يعتبر تغير المناخ من أهم المشاكل التي تسبب إرهاقاً كبيراً في المجتمعات، سواء على المستوى الدولي أو الوطني أو المحلي، فالمختصون أجمعوا أن الزيادة في درجات الحرارة وتغيرات المناخ المفاجئة تسبب مخاطر فورية وأخرى على المدى الطويل على التكوين البيئي والعمراني للمجتمعات، بالإضافة إلى مخاطر على المواطنين، ويعتبر استهلاك الوقود بأنواعه من الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى تغير المناخ، بالإضافة إلى التمدد الحضري، وإزالة غازات الغابات واستخدام المبالغ للأراضي، ومن المظاهر التي تسبب التغير البيئي العواصف الشديدة والجفاف، إلى جانب الفيضانات والأمطار الكثيفة، وتعتبر هذه الظواهر مخاطر وجودية على صحة الإنسان وجودة حياته وسبل عيشه وأمنه الغذائي، بل وإمدادات المياه والأمن والنمو الاقتصادي، لهذه الأسباب تسعى الحكومات على أن تضع خططًا واضحة ومختلفة من أجل مكافحة ذلك، وفي ظل قادة رؤية المملكة فقد وُضعت مبادرة السعودية الخضراء والتي بدورها تسهم في دعم العمل لمكافحة تغير المناخ. حلول مبتكرة لقلة الموارد المائية والصعوبات الجغرافية طويل الأمد وقال أ. د. عبدالله بن ناصر الوليعي -أستاذ الجغرافيا الطبيعية بجامعة الملك سعود-: إنه لم يكن تاريخ المناطق الجافة متسماً بالجفاف على مدى تاريخها كله، فقد نعمت هذه المناطق بفترات مطيرة كانت الحياة خلالها أكثر سهولة ويسراً، ولقد أدت الحوادث التي سببت تقدم وتراجع الجليد خلال فترة البلايستوسين إلى تغيرات بيئية كبرى في العروض الدنيا شملت بصفة رئيسة تغيرات في الحياة النباتية والحيوانية، مضيفاً أنه يعد التغير المناخي اتجاهاً طويل الأمد في حالة المناخ، وهو يختلف عن التقلبات الشهرية والسنوية في درجات الحرارة وسقوط الأمطار التي لا تعدو كونها ذبذبات آنية سرعان ما يعود بعدها إلى حالته المعتادة، وقد شهدت الجزيرة العربية خلال تاريخها الطويل عدة فترات كان الجو فيها مختلفاً عن الجو السائد، فمرت بها بعض الفترات الرطبة والجافة التي أدت إلى حدوث عدة تغيرات جيومورفية دائمة. تحقيق التوازن وأوضح أ. د. الوليعي أنه صدر بيان رسمي من المملكة في 9 رمضان 1442ه -21 أبريل 2021م- يوضح موقف المملكة من التحديات البيئية التي تواجه العالم في قضية التغير المناخي، ومن أهم ما جاء فيه تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاجتماعي، حيث تستند المملكة في جهودها لحماية البيئة على تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاجتماعي، دافعها في المقام الأول الواجب الديني والوطني والإنساني والمسؤولية أمام الأجيال القادمة، لذلك وازنت بين صون البيئة والتنمية المستدامة ضمن مستهدفات رؤيتها المستقبلية 2030، وفي إطار الاقتصاد الدائري للكربون وأمام هذه التحديات العالمية جاء تأكيد خادم الحرمين الملك سلمان -حفظه الله- خلال رئاسة المملكة لمجموعة العشرين أن المملكة برئاستها للمجموعة شجعت إطار الاقتصاد الدائري للكربون الذي يمكن من خلاله إدارة الانبعاثات بنحو شامل ومتكامل بهدف تخفيف حدة آثار التحديات المناخية، وجعل أنظمة الطاقة أنظف وأكثر استدامة، وتعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة، وقال -رعاه الله-: إنه سيتسنى للدول تبني وتعزيز التقنيات التي تتناسب مع المسارات التي تختارها الدول لتحولات الطاقة، من خلال ركائز الاقتصاد الدائري للكربون، حيث تشكل هذه الركائز مجتمعة نهجاً شاملاً ومتكاملاً وواقعياً يتيح الاستفادة من جميع خيارات إدارة الانبعاثات في جميع القطاعات. برنامج وطني وأشار أ. د. الوليعي إلى أنه ترسيخاً وتسريعاً للجهود الحالية لتحقيق الاستدامة بأسلوب شامل أعلن خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- أن المملكة ستقوم بإطلاق البرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون، داعياً الدول الأخرى للعمل جنباً إلى جنب لتحقيق أهداف هذا البرنامج المتمثلة في التصدي للتغير المناخي مع الاستمرار في تنمية الاقتصاد وزيادة رفاه الإنسان، مؤكداً البيان على أن المملكة رائدة في مجال مصادر الطاقة المتجددة، ذاكراً أن المملكة تملك خططاً في مجال مصادر الطاقة المتجددة، وتشمل طاقة الرياح والطاقة الشمسية اللتين تمثلان ما نسبته 50 % من الطاقة المستخدمة لإنتاج الكهرباء في المملكة بحلول عام 2030م، مبيناً أن المملكة تشاطر دول العالم فيما تواجهه من تحديات بيئية متنامية نتيجة للتزايد السكاني وتسارع الوتيرة الصناعية والاقتصادية والعمرانية والزراعية، فسعت جاهدة للحد من مسببات التغير المناخي، والوفاء بالتزامها بالمعايير والاتفاقيات الدولية في إطار البرامج الدولية المنبثقة عن المنظمات المتخصصة، ومنها اتفاق باريس للتغير المناخي الرامي لتجنب التدخلات الخطيرة الناشئة عن أنشطة بشرية في النظام المناخي، لافتاً إلى أن المملكة ستعمل «مبادرة السعودية الخضراء» لتقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من أربعة بالمائة من الإسهامات العالمية، من خلال مشاريع الطاقة المتجددة التي ستوفر 50 % من إنتاج الكهرباء داخل المملكة بحلول 2030م، ومشاريع في مجال التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستمحو أكثر من 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، إضافةً إلى رفع نسبة تحويل النفايات عن المرادم إلى 94 %. خطط عملية وأوضحت البرفيسور فهدة فلاح بن حشر -أستاذ مناخ جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن- أن حكومة المملكة تسعى إلى وضع خطط عملية تسعى لتعزيز المجهودات المبذولة على مختلف الأصعدة لمواجهة التغير المناخي على المستوى الداخلي والخارجي، فعلى المستوى الداخلي اتخذت الحكومة عدة مبادرات منذ 2016م تتلخص في إطلاق مبادرة الملك سلمان للطاقة المتجددة، وفي 2017م تم الإعلان عن البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، وفي 2018م تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصحة والبيئة، وفي 2019م تم تأسيس القوات الخاصة للأمن البيئي، وفي 2020م تم الإعلان عن حملة «لنجعلها خضراء» للحد من التصحر، وفي 2021م تم افتتاح بعض الأعمال مثل منتدى مبادرة السعودية الخضراء، وقمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وقمة الشباب الأخضر، وفي 2022م تم تنظيم مؤتمر «كوب 27»، ومنتدى مبادرة السعودية الخضراء على هامش «مؤتمر كوب 27» في شرم الشيخ، وفي 2023م مؤتمر «كوب 28»، مشيرةً إلى أن المملكة تستعد لاستضافة الدورة السادسة عشرة لمؤتمر اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر، والسعي في تحقيق المساهمات المحددة وطنياً لخفض انبعاث مكافئ ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 278 مليون طن سنة، وحماية 30 % من المناطق البرية والبحرية، وزراعة أكثر من 600 مليون شجرة. 60 مليار شجرة وذكرت البرفيسور فهدة بن حشر أن من أهم المبادرات المناخية التي أطلقتها السعودية مبادرة «السعودية الخضراء» التي تهدف لزراعة 60 مليار شجرة في المنطقة، وخفض الانبعاثات الكربونية بما نسبته أكثر من 10 % من الإسهامات العالمية، إضافةً إلى الاستمرار في مشروعات الطاقة المتجددة التي ترفع حصة الطاقة النظيفة في المملكة إلى 50 % بحلول 2030م، مضيفةً أن مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» التي تهدف إلى تنسيق الجهود ومواكبة التطورات الإقليمية والدولية، للإسهام في تحقيق الأهداف العالمية لمواجهة التغير المناخي، من خلال إطلاق أكبر خطة لإعادة التشجير في العالم، تهدف لزراعة 50 مليار شجرة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تقديم حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه المنطقة من حيث قلة الموارد المائية والمالية والتقنية والصعوبات الجغرافية، لذا تعمل الرياض بالشراكة مع دول المنطقة على بحث آليات وفرص تمويل المبادرات للدول ذات الموارد المنخفضة، ومشاركة التقنيات والخبرات بين الدول لتخفيض انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط في المنطقة، واستحداث طرق مبتكرة للري من المياه المكررة والاستمطار. 53 مبادرة وأوضحت البرفيسور فهدة بن حشر أنه بحسب ما ذكر وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان في قمة الأممالمتحدة للمناخ بجلاسكو، فإن المملكة تبنت ما يزيد على 53 مبادرة للحد من التغير المناخي، يفوق حجم استثماراتها 185 مليار دولار، منها الوصول بالطاقة المتجددة لحصة 50 % من الطاقة الإنتاجية لمزيج الكهرباء، ومبادرة البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة، وبناء واحد من أكبر مراكز العالم في إنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة «نيوم»، وقدمت المملكة في نوفمبر 2020 مبادرة تبنتها مجموعة ال20، تعرف باسم مبادرة «اقتصاد الكربون الدائري»، وتهدف بشكل أساسي إلى تعزيز استقرار وأمن الأسواق والوصول إلى الطاقة وإدارة الانبعاثات الضارة، وتتضمن المبادرة أربعة عناصر رئيسة، وهي التقليل وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير والإزالة، ويتمثل التقليل من الانبعاثات عبر خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، عبر استخدام التقنيات والابتكارات مثل الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والطاقة النووية، أما إعادة الاستخدام، فتشير إلى تحويل الانبعاثات الضارة إلى مواد خام قيّمة للصناعات من خلال تقنية احتجاز الكربون وإعادة استخدامه، فيما تعني إعادة التدوير الاعتماد على العمليات الطبيعية والتحلل، بما في ذلك استخدام حاملات الطاقة مثل الميثانول والأمونيا والهيدروجين التي تمثل الدورة الطبيعية، وأخيراً إزالة الانبعاثات من الغلاف الجوي الذي يدور حول تطبيق الاستخلاص الطبيعي للكربون وتخزينه واستخلاصه من الهواء مباشرةً، إلى جانب الحلول الطبيعية للقضاء على الانبعاث. المملكة تسعى لتأسيس مركز إقليمي للإنذار من العواصف اقتصاد دائري وقالت البرفيسور فهدة بن حشر: إن المملكة تعمل منذ أكتوبر الماضي على تأسيس صندوق للاستثمار في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون في المنطقة، إضافةً إلى مبادرة عالمية تسهم في تقديم حلول الوقود النظيف لتوفير الغذاء لأكثر من 750 مليون نسمة في العالم، وتبلغ قيمة الاستثمار في هاتين المبادرتين ما يقارب 39 مليار ريال -نحو 10 مليارات دولار-، مضيفةً أنه تساهم المملكة في تمويل قرابة 15 % منها، بحسب ما ذكره الأمير محمد بن سلمان ولي العهد -حفظه الله- في كلمة له في افتتاح قمة «مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، مشيرةً إلى أن المملكة تسعى إلى تأسيس مركز إقليمي للإنذار المبكر بالعواصف، ومركز إقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية، وإنشاء برنامج إقليمي لاستمطار السحب، ذاكرةً أن الكثير من الدراسات المناخية والهيدرولوجية تشير إلى تقلص الموارد المائية في كثير من مناطق العالم وبشكل خاص في الأقاليم الجافة وشبه الجافة وإلى استنزاف الموارد المائية الجوفية بسبب العجز في الميزانية المائية، وعدم قدرة كميات الأمطار المتساقطة على توفير فائض مائي يساعد على تجديد خزانات المياه الجوفية، ويحذر علماء البيئة والمناخ من أن استمرار هذه الظاهرة بسبب ارتفاع معدلات الإشعاع الشمسي وما يرتبط به من معدلات درجة الحرارة مقابل ارتفاع معدلات التبخر وتدني معدلات الأمطار قد يؤدي إلى استنزاف الكثير من الموارد المائية بشكل نهائي. أمراض صدرية وأوضحت البرفيسور فهدة بن حشر أن استمرار ظاهرة الجفاف واتساع مساحات الأراضي المتصحرة أو المهددة بظاهرة التصحر قد يتسبب في فقدان الكثير من الموارد الغذائية وحرمان أكثر من 7050 مليون نسمة من سكان العالم من الحصول على المواد الغذائية الأساسية، مضيفةً أنه قد يؤدي التغير المناخي إلى زيادة انتشار الكثير من الأمراض خاصة المعدية، نتيجة قلة الموارد المائية وعدم توفر الموارد الغذائية الكافية، ذاكرةً أن من الأمراض المرشحة للارتفاع الأمراض الصدرية، نظراً لزيادة حدة التلوث الهوائي بسبب الانبعاثات الغازية وجفاف الهواء من عنصر الأكسجين، مؤكدةً على أن مدينة نيوم -التي تعمل المملكة على بنائها في شمال غربي البلاد- جزءاً من رسالتها نحو مواجهة التغير المناخي، حيث أن تخطيطها ينطلق من فهم أهمية البيئة في تشكيل المستقبل»، وإعادة التناغم المفقود بين المجتمع والبيئة، مشيرةً إلى أنه يعد المشروع الرئيسي للطاقة في المدينة هو «الطاقة النظيفة»، حيث يتم العمل حالياً مع شركة يابانية ومركز أبحاث فرنسي، على محطة لتحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة، كما ستكون وسائل التنقل داخل المدينة صديقة للبيئة أيضاً، حيث ستتحول فكرة التنقل الجوي عبر سيارات الأجرة إلى حقيقة في نيوم وفق تصريحات المسؤولين. السعودية الخضراء ستقلل انبعاثات الكربون في الأجواء إنشاء برنامج إقليمي لاستمطار السحب المملكة سعت لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاجتماعي