صيام رمضان من فرائض الدين الإسلامي المتداولة الذكر في أوروبا لشهرتها، ويلبث شهراً كاملاً، والمفهوم أنه ليس فيه شيء من المزايا الصحية المتوافرة في الصوم على الطقسين المسيحي واليهودي، لأن شهر رمضان لا يقع في فصل معين من فصول السنة، وإنما يطوف بها جميعاً على التدريج ويتم دورة طوافه في كل ثلاث وثلاثين سنة مرة، ولم يكن شهر رمضان عند المسلمين خلافاً لما اتجهت إليه الظنون في أوروبا، بل هو شهر حرمان من الشهوات في الغاية القصوى من الشدة. فإن كل مسلم بلغ الرابعة عشرة من عمره مطالب برعايته، فقد جاء في القرآن: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر. يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}، و{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود}، ونصوص الدين في الصوم محترمة الجانب، إذ يتبعها المسلمون بدقة وانتباه، نعم، لا تخلو الحال من وجود أناس يجرؤون على مخالفتها، ولكنهم قليلو العدد جداً، فضلاً عن تسترهم على أنفسهم في ذلك، ولم يكن الإمساك في الصوم قاصراً على حرمان النفس غذاءها طول النهار من كل شراب وطعام، بل يتناول استنشاق الأرواح العطرية والتدخين والنشوق، وهناك فريق من المتشددين يحرصون دائماً على لفظ اللعاب محترزين من ابتلاعه، أما الحوامل فلا يطلب منهن الصوم وكذا المرضى والمسافرون، ولكن القليل من هؤلاء يميلون وهم في حالة مرضهم أو سفرهم إلى الاستفادة من هذه الإباحة، بل إن هناك كثيرين من الأتقياء والصالحين يتمادى بهم الحرص على رعاية فروض الدين حتى فيما تباح مخالفته لمثل تلك الأسباب فيضنون على أنفسهم بقطرة الماء يرطبون بها أفواههم في أثناء سفرهم في الصحراء، حيث يشتد القيظ ويقاومون بذلك الأوار الشديد، ولقد شهدت بنفسي مرضى كثيرين في بحران الحمى يأبون تعاطي الدواء المخفف لدائهم مؤثرين الموت على مخالفة واجب الصوم. (كتاب لمحة عامة إلى مصر / المؤلف كلوت بك)