ننفصل عن الواقع أحياناً ونعيش خارجه لفترات طويلة فتكون أفكارنا ساعتها واهنة بل ومضحكة، وحين نعود إلى الواقع طال الزمن أو قصر نجد أن المساحات حولنا ضاقت بنا فتحوّلت إلى متاهات لم نعرفها قبلاً.. أحياناً يكون العناد "تسوية جبانة مع مصداقية الآخر" التي تبرز أكاذيبنا.. ويكون الغرق في سطحية المغالطات جلياً بسبب صدام ذاتي يحرق الوعي بسهولة.. تسبح بعض الأفكار في مسابح الأنا المتخمة بالاتجاهات المختلفة، والميول الملونة.. أن تفهم الآخر ويفهمك تحتاج إلى قناة نفسية متزنة تجعلك موضوعياً ومتناغماً مع واقعكما الحاضر.. هل حالة التنازل الفكري يمكن أن يطغى على تجاذباتنا وحواراتنا وحاجاتنا المختلفة.. بعض الأفكار تولد من رحم الفهم، وبطن الإحساس، وجوف اليقين بأن لدينا الكثير ولدى الآخر أحياناً أكثر منا لكن علينا أن نفهم تلك الحقيقة جيداً ونتعامل في حياتنا مع كل المتغيرات والمواقف بطريقة نستوعب تفاصيلها، ونتشرب واقعنا كما هو. الوعي كلمة مستهلكة عند الحمقى الذين تضيق بهم الدنيا لعدم قدرتهم على الاستجابة مع حقيقته وعلاقتهم بالآخر.. الوعي مفردة زينة عند أولئك الذين عرفوا قيمتهم وحدودهم ومكانتهم وعقولهم. أبجدية الغموض قد تجعل الشخص يشعر بأن ما يقوم به سيميزه حتماً عن غيره.. هُنا الأنا تظهر وبقوة.. وقد نظن أن جعل فكرة مُبهمة هو عدم وضوحها بالأساس لدينا.. ننتظر المجهول وندع انتظار المعلوم.. فيشغلنا الغيب عن الشاهد، ويملأ عقولنا المستقبل، فلا نلتفت إلى الحاضر فتضيع بيننا فرص التقدُّم بالتراجع، ونتراجع ظناً منّا أننا نتقدّم، فترتبك بيننا المُنى، وتختلف حولنا الرؤى فلا نكاد نجد الطريق والمنفذ. نفكر في كيف خسرنا أمراً ما ولا نفكّر في كيف نستعيده بفرصة أخرى.. لذلك نجد الوقت يتفتت بين أيدينا، فلا نصل إلى نتيجة.. ونحن بين تكرار ذكر الخسارة وترديد الألم بسببها وإشغال الذهن فيما تمّ فقده وضياعه.. وبين ندب وندم، وآهات وسقم.. يضيع التفكير فتتبعثر فرص التعويض. نركّز ونقف على نقاط الاختلاف مع الآخر، ونتجاهل نقاط الاتفاق معه.. هنا يتمّ بتر العلاقة العاقلة، ومحق الفائدة الكبيرة، وقتل التواصل والتفاعل بيننا فتكون النتيجة الإقصاء والافتراق وحمل البغضاء. نتعلق بتأثير الآخر علينا ولا نحاول العودة إلى ذواتنا التي تخلصنا من هذا التأثير، فلا ننتظر أن يبدأ لينتهي بل نبادر لنؤثر.. ونبدأ لننتهي نحن. نحاول فهم الحقيقة من أفواه الكاذبين، فنتعاطى معها بكل طيبة، فلا نفرّق حينها بين حالة الصدق ومشكلة الكذب، لتسقط قلوبنا سهواً ونتأثر بجراح الأسى، فتختلف خطواتنا، وتتبعثر أحاسيسنا. نهتمّ بما نحلم به، ولا نفكّر في كيف نحقق ما لا حلمنا به أساساً فيكون الإنجاز أروع، ويكون الحلم أجمل.. بل انشغل كثير منا بأحلام منامه عن أحلام يقظته باللهث خلف تفسير حلمه عند بائعي الرؤى، وأهمل تحقيق حلمه الواقعي إن وجد. نرى ما لدى الغير ونغضّ الطرف عمّا لدينا، فنعبئ عقولنا بالتفكير فيما ليس لدينا، وفيما ينقصنا، وفيما نحتاجه.. فنتغافل حينها عمّا نملكه، ونتجاهل عمّا بحوزتنا، ونقلل من قيمة ما لدينا، فتكون الأشياء التي نقتنيها في أعيننا دوماً فقيرة القيمة، عديمة الجدوى. ننفصل عن الواقع أحياناً ونعيش خارجه لفترات طويلة فتكون أفكارنا ساعتها واهنة بل ومضحكة، وحين نعود إلى الواقع طال الزمن أو قصر نجد أن المساحات حولنا ضاقت بنا فتحوّلت إلى متاهات لم نعرفها قبلاً. فكرة دافئة حين تبرد ذاتك عليك إيقاظ عاطفتك اتجاه من يحبك.. لا تتراجع عن دروبهم خصوصاً في لحظات الاعتلاء. وأخيراً.. قد نصل لنقطة تسقط فيها كل هذه التفاصيل وتصبح أشياء غبية قام أحدهم بتأليفها..