إن اتساع رقعة المملكة وترامي أطرافها وتعدد مناخاتها وتنوع تضاريسها وتباين تربتها إضافة إلى ما وضعته من خطط تنموية ورؤىً طموحة وما يمنحه ولاة أمرها -أيدهم الله- للمواطنين من أراض وقروض سهلة التسديد فكل هذا أدى إلى ازدهار قطاع البناء والتشييد في المملكة وتسارع نموه وتطوره وما يحتاجه ذلك من مهندسين وفنيين ومهنيين وغيرهم، ولهذا تعددت طرق البناء وتشعبت أساليبه ونظمه مما جعل الحاجة ماسة لإعداد كود بناء سعودي موحد من شأنه تطوير قطاع البناء والتشييد والرقي به في ظل الظروف والتطورات العلمية التقنية المستجدة محليا وإقليميا وعالميا بما يتلاءم مع ظروف المملكة المناخية والجغرافية ويواكب ما تشهده من طفرة عمرانية متسارعة ويوحد نظم البناء ويكون مرجعًا فنيًا يساعد على حسم ما قد يحدث من خلافات ومنازعات وشكاوى فيها، ومن هنا تأتي أهمية كود البناء السعودي للمواطنين والعاملين في قطاع البناء والتشييد. والكود لا يقتصر على سلامة المباني والمنشآت فحسب بل يشتمل أيضًا على مجموعة من القوانين والنظم الإدارية والفنية المتعلقة بالبناء والمبنية على القواعد العلمية والمعمارية والهندسية الحديثة وذلك لضمان الحد الأدنى المقبول من السلامة والصحة العامة والجودة والرفاهية والتكلفة وترشيد الطاقة عند التنفيذ، إلى جانب أساليب الصيانة الدورية وغيرها من أمور حيوية، مع الأخذ في الاعتبار خواص المواد والظروف الطبيعية المحلية ومتطلبات الحماية من الحريق والأخطار الطبيعية كالزلازل والرياح وكافة الظروف الجغرافية والجوية والموسمية. لذا نجد أن الإطار العام الذي تم تحديده لكود البناء السعودي يضمن جميع اللوائح والمتطلبات الإدارية والقانونية والمعمارية والإنشائية والكهربائية والميكانيكية والصحية وترشيد المياه والطاقة والحماية من الحريق ولوائح المباني القائمة، بالإضافة إلى لوائح ومتطلبات أخرى. ولعل من أهداف الكود أن ينظم العلاقة بين جميع الأطراف المعنية بعملية البناء ويحدد المسؤوليات بطريقة واضحة جلية بحيث تقل الخلافات وتحسم المنازعات على أسس عادلة، ولعل المستفيد الأكبر من هذه العملية لهو المواطن الذي يتخذ الكود كأساس لأعمال البناء التي يقوم بها وعندها سيكون مطمئنًا إلى أنه اعتمد المعايير الصحيحة من الناحية التنظيمية والفنية، كما سيكون مرجعًا قانونيًا ومرشدًا فنيًا لتنفيذ جميع المراحل بدءًا من مرحلة التصميم وصولاً لمرحلة التسليم النهائي مُقيّمًا الأسس ومُحددًا المتطلبات والاشتراطات التي تكفل سلامة المبنى ومواءمته مع الظروف التي يتعرض لها سواءً أكانت من التربة أم من المناخ أو جراء الاستخدام. إن الاستفادة من خبرات دول سبقتنا في هذا المجال لأمر تفرضه وتحتمه الضرورة حيث إن مواضيع الكودات فنية متشعبة ودقيقة وقد أجريت فيها الكثير من الدراسات والإنجازات والتعديلات من مختلف دول العالم شأنها شأن أيِّ موضوع مهم ذي طبيعة وطنية عامة، ولهذا يجب أن لا نكون بمعزل عن التطورات والمستجدات العالمية ولا يمكن بأيِّ حال من الأحوال أن نبدأ من نقطة الصفر بل لا بد لنا من الاستفادة من تلك الجهود العالمية ولكن لا يعني أخذها كما هي دون دراسة وتمحيص بل لا بد من تحديثها وتطويعها لتلائم ظروفنا وقيمنا وبلورتها في صيغ وملاءات تناسبنا، وهذا هو مسؤولية اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي التي أوكل لها هذه المهمة فأخذت على عاتقها مسؤولية إعداد هذا الكود وما يتفرع منها من لجان متخصصة ولتقف على مجريات التطورات العالمية وما يستدعيه ذلك من الاطلاع على ما يمكن من دراسات ووثائق وكودات عربية وأجنبية. ونجد أن كود البناء السعودي له علاقة بكافة نواحي تصميم وتنفيذ المباني التي تتبنى وتعتمد المواصفات القياسية عند تحديد المواد المستخدمة من أجل الوصول إلى الحد الملائم من السلامة والصحة العامة والتكاليف، لذا فإن الكود يغطي مجالات واسعة فنية وإدارية وهندسية وعلمية تشمل كافة النواحي المعمارية والمدنية والإنشائية والميكانيكية والكهربائية والصحية وأنظمة الحماية من نشوب الحريق وترشيد الطاقة والمباني العائلية ومتطلبات الكفاءة الزلزالية للمباني والمنشآت في جميع مراحل البناء بدءًا من التصميم ثم الإشراف حتى التنفيذ، فكود البناء يحدد اشتراطات الأمان والسلامة والراحة والرفاهية بحيث يكون متجانسًا ومتوافقًا مع المناطق المناخية والجيولوجية المختلفة بالمملكة. ولعل أهمية الكود تكمن في أنه يشكل مرجعية قانونية لتنظيم المسؤوليات وتحديد المهام بين الجهات ذات العلاقة في عملية البناء فهو يحدد مسؤولية ودور كل من المالك والمصمم والمشرف والمنفذ، أما المواصفات فهي تختص بمواد البناء والتشييد، وهي تعالج المواد من حيث السلامة والجودة وتحدد شروط القبول والرفض لكافة المواد الإنشائية، وتحدد كذلك أسلوب الفحص والاختبار بما يتوافق مع المواصفات القياسية العالمية، وهناك المواصفات الفنية العامة للمبنى وهي تعالج كل ما يتعلق بالمنشأة أثناء مرحلة التنفيذ مثل خصائص المواد الإنشائية المستخدمة وطرق تنفيذها وفحصها وشروط أمان واتزان المنشأة وبخاصة في المناطق المعرضة للزلازل في المملكة. كما تضمَّن كود البناء السعودي عددًا من الملاحق تشمل متطلبات الكود للتربة والأساسات ولأحمال القوى وللأعمدة الخرسانية والحديدية وللبناء بالطوب والطابوق وللسقالات وللأعمال الكهربائية والميكانيكية والصحية ولترشيد الطاقة وللطاقة المتجددة وللحماية من الحريق ولتقويم وتحسين كفاءة المباني القائمة لمقاومة الزلازل والحماية من الصواعق وملاحق أخرى، كما تم أيضًا توضيح وتفسير أجزاء وفصول منه لتسهيل الفهم والاستيعاب لدى المهتمين لتطبيق كود البناء السعودي (مهندسين، مشرفين، مقاولين، موردي مواد البناء، إلخ). ومن الإنجازات التي تمت بعد إعداد الكود أن كان هناك تدريب وتأهيل للمختصين والمفتشين لفحص المباني ومراجعة وتدقيق مخططاتها الهندسية لرصد ومتابعة والتأكد من التزامها بالبنود والمتطلبات والاشتراطات المنصوص عليها في الكود. ومن بين إصدارات الكود الإثني عشر تم ترجمة الكود الكهربائي (401) إلى اللغة العربية تمهيدًا لترجمة باقي الإصدارات تباعًا في مراحل قادمة، ولقد روعي في ترجمة الكود الكهربائي صياغة عربية فصيحة سليمة قضت على الكثير من المسميات والمفاهيم العامية التي كانت سائدة ومستخدمة بين أوساط الفنيين والمقاولين والمنفذين واستبدلت بمسميات حديثة سلسة تم تعريب البعض منها بما يتناسب مع السياقات والتعاريف العربية المتعارف عليها. وأخيرًا فإن كود البناء السعودي بإصداراته المتعددة جاء ممزوجًا بين النموذج الوصفي والنموذج الأدائي في إعداد وصياغة بنوده، حيث يحقق النموذج الوصفي أهداف وأغراض ومرامي الكود من خلال التركيز على معايير معينة تحدد القيم الحرجة المقبولة سواءً أكانت القيم الدنيا أم القيم القصوى، بينما يحقق النموذج الأدائي ذات الهدف وذلك من خلال إيضاح الأهداف والأغراض الرئيسية والجزئية المحققة لحلول مقبولة تعتبر بدائل يمكن المفاضلة بينها على أساس الأولويات التي يمكن اختيارها وتبنيها وتطبيقها والالتزام بها. *جامعة الملك سعود