إن ثمن قنينة الماء في البقالة دولار، وفي المطار ثلاثة دولارات، وفي المطعم خمسة دولارات، وفي الفندق ثمانية دولارات.. الماء لم يتغير؛ إنما تغير مكانه، المكان هو الذي منحه القيمة، غيّر مكانك تزدد قيمتك أو ضع نفسك في المكان الصحيح لتحصل على قيمتك الحقيقية. إن الإنسان هو المشجع الأول لنفسه، ولكن ذلك وحده لا يكفي، نحتاج لمن يشاركنا نجاحاتنا مهما كانت صغيرة هذه فطرة أن تدفعنا الكلمة الطيبة للأمام وأن تخفف عنا عناء يوم عمل شاق، هو أمر مطلوب، لكن الإفراط في كل شيء هو الداء، لا تفرط من ناحيتين ولو راجعت المواقف التي نغصت عليك فكرك ستجدها حقاً متمحورة حول فكرتين: توقعك تقدير الناس لك بحجم أكبر مما قدموه فعلاً: فلربما توقعت منهم اندهاشاً وتقديراً عظيماً لكن المقابل قدم لك ابتسامة خفيفة مع كلمة شكراً. لا تتحطم وتظن بالناس الشر، نحن حين نتحمل مسؤولية خيالاتنا سننجو من مثل هذه الخيبات، لا تأسر نفسك بتخيل وتوقع تقديرهم لك، افعل الخير لرضا ربك فقط. ومهما كانت ردة فعل المقابل فهي أمر إضافي وزيادة خير وبركة، فحين تقدم وروداً لمن تحب قدمها لأنك تحب أن تكون ذاك الشخص اللطيف الذي يقدم الورود وفقط، وإن وجدت نفسك تفعل الخير لأجل الأشخاص فتوقف من فضلك؛ لأن ذاك الفعل سيعود عليك بالألم المذكور في السؤال، والثانية توقعك الحصول على التقدير في أمور لا تحتاج التقدير أو دون طلب منك، يجب أن تعلم أن بعض الأمور هي واجبة عليك في هذه الحياة؛ لا تنتظر التقدير على كل أمر فعلته. حين تبدل الإضاءة التالفة حين تصلح النافذة المكسورة وفي المواقف المشابهة أحياناً يرى من حولك أنك قمت بواجبك، فلا تحملهم فوق طاقتهم خاصة في مجال العمل؛ إن أي عمل تقدمه وتنجزه في الموعد المحدد فإن رب عملك غالباً لن يقدرك إنما سيرى فيك الموظف الذي قام بالمطلوب منه وفقط! انتبه لهذه النقطة وحاول السيطرة عليها، لا تنتظر التقدير بدون طلب، فأحياناً يقيّد الناس أنفسهم بقيود لا مبرر لها حينما يكتمون في أنفسهم الرغبة في التعبير! كبرياء لا فائدة منه. إن أردت تقديراً معيناً ممن حولك اطلبه ببساطة، كن شخصاً مريحاً وواضحاً تعش بسلام، فإن جلبت لأهلك مثلاً نوعاً من الفاكهة، وتجاهل الجميع شكرك لا بأس إن سألتهم بشكل مباشر: هل أعجبكم طعمها وما رأيكم بها.. الخ. ألا تتوافق معي أن بعض مشاكل النساء مع أزواجهم تحدث حين تظنّه لا يقدّر جمالها حين ارتدت القرط الذي أهداها إياه في عيد زواجهم قبل 5 سنوات؟ وهو غير مدرك حقاً لكل ما يجول في خاطرها من معارك داخلية وشعور بقلة التقدير وأنه لا ينتبه لتفاصيلها.. الخ وكان أوفر لكلاهما عناءً وجهداً لو اتسمت بالوضوح وطلبت منه تقديراً واضحاً صريحاً، ولن يبخل عليها. أعطِ الناس قيمة، لكن تلك التي استحقوها بجدارتهم، وانتظر من الناس تقديراً إنما بالكمية التي يقدمونها هم والتوقيت الذي يختارونه هم لا أنت. لا تتوقع تقديراً من جهات رسمية أو علاقات رسمية أو حين تؤدي واجبك، لأنه ببساطة: واجبك. وإن احتجت للتقدير فاطلبه ممن يحبك حقاً فلن يبخل عليك. كن صادقًا مع ربك وضميرك ولا تعول على الناس فإن الناس ورود من بعيد أشواك عند اللمس، في الأعم الأغلب مكانتك عند الناس بقدر ما يستفيدون منك أو يخافون من أذاك فإذا انقطعت الفائدة منك أو ذهب الخوف من أذاك لن يقيموا لك وزنًا إلا ذويك المحبين لك. كان هناك شخص يقف في محطة مترو في واشنطن ويعزف على آلة الكمان...! كان مراقبًا بكاميرات المراقبة من أجل تجربة اجتماعية. هذا الشخص استمر في العزف حوالي 45 دقيقة لمقطوعات موسيقية وهمية لمشاهير.. في هذه الفترة تقريباً مر أمامه أكثر من ألف شخص متوجهين لركوب المترو عادي جدًا، في خلال ال45 دقيقة من العزف، 7 أشخاص فقط وقفوا استمعوا للحظات. وغادروا.. وبعضهم أعطوه نقودا لعزفه، في النهاية، جمع (32 دولارا) خلال 45 دقيقة!! وكانت المفاجأة، إن هذا العازف هو جوشوا بيل، الذي يعتبر واحدا من أعظم الموسيقيين في العالم.. والكمان الذي يعزف عليه ثمنه 3,5 ملايين دولار قبل هذا الموقف بأيام فقط، كان لجوشوا حفلة في بوستن.. والتذاكر بيعت بالكامل وكان سعر التذكرة 100 دولار! كانت هذه تجربة اجتماعية مهمة، حيث إن هذا العازف قدم موهبته في مكان غير مناسب.. والناس لم يستوعبوا الموهبة التي قدمت لهم بالمجان، وكانت نتيجة التجربة: "ضع نفسك في المكان الصحيح والمناسب وإلا ستذهب مواهبك وإبداعك في مهب الريح".