يا راحلين عن الحياة وساكنين بأضلعي هل تسمعون توجّعي وتوجّع الدنيا معي هذه الذكرى السادسة لوفاة والدي الغالي رحمه الله.. الوفاة التي كسرت قوتي وشموخي، جعلتني أخضع للبكاء، جرحتني جرحاً لا دواء له، لأني أدركت ما هو الفراق وما هو الشوق.. لقد فقدت وفارقت؛ ولكن ليس كفراق الأب؛ فهو فراق يعجز الفصحاء والشعراء والكتّاب أن يعبّروا عنه، كل شيءٍ يعوض إلا فراق الأب، فهو فراق لا ينتهي وشوق سيظل طول الحياة.. حبيبي كيف حتى غبت عني أتعلم أن لي أحداً سواكا أراك هجرتني هجراً طويلاً وما عودتني من قبل ذاكا فلا والله ما حاولت عذراً فكل الناس يعذر ما خلاكا وما فارقتني طوعاً ولكن دهاك من المنية ما دهاكا لقد حكمت بفرقتنا الليالي ولم يكُ عن رضاي ولا رضاكا فليتك لو بقيتَ لضعف حالي وكان الناس كلهم فداكا ليس رثاء متأخرًا ما أكتبه الآن.. وليس تمجيدًا لوالدي أو بحثاً عن أمثاله في هذا الزمان، بل أكتب سعيًا للتخلص من آهات الحنين والوجدان.. فبعض الرجال يولدون في الزمن مرة واحدة لا تتكرر.. وأبي واحد منهم.. فراقك يا أبي لم يكن سهلاً، فقد ترك فراغًا كبيراً في حياتنا، لقد أورثتنا المحبة والصدق والعزة والكرامة، وكنت للمحبة عنواناً.. فرحم الله قلبك ونفسك وروحك.. في ذكراك؛ أتذكر أنه رغم صعوبات حياتك إلا أنك كنت نظيف اليد، عفيف اللسان، مرفوع الرأس، فتركت سيرة عطرة مشرفة، وأياديَ بيضاء، وذكرى حسنة بين أناس يدعون لك بالرحمة والمغفرة والجنان. كنتَ وما تزال موجودًا في واقعنا ومع من أحبك من الأبناء والأحفاد والجيران، فقد كنت إنسانًا بكل ما تعنيه الإنسانية، متسامحاً، عفواً، رحيماً، محباً.. علمتنا أن الحب يكمن في الصدر، والصدر يحمل قلبًا يضيئه الحب الصادق.. علمتنا كيف نختلف ونحترم غيرنا.. علمتنا كيف نسمو بأرواحنا محلقين في سماء الكون نبحث عن مرضاة الله دون مرضاة البشر بقولك دائماً: "خلّي عملك لله".. علمتنا أن نعيشَ بصبر وطموح ومسؤولية، دون الركون إلى أحد سوى التوكل على الله وحده. والدي؛ أحاول أن أسترجع الزمن في ذاكرتي، فكل يوم يمر بي يذكرني بعبقك وريحانك ورجاحة عقلك، وسمو خلقك، وثمار عملك، ومواقفك ناصعة الطهر والرجولة في ميادين الحياة. فما عسانا أن نفعل سوى أن نقول لك: سلام على روحك الطاهرة النقية، سلام مني ومن كل محبيك، سنسير على خطاك بثبات وشموخ كما كنت شامخًا.. نم وادعًا.. سنعيش على ذكراك.. فقد تركت فينا همة باقية، وعملاً في سبيل الخير، وسلوكًا على طريق الفضيلة والهدى.. في ذكراك؛ لا يسعنا إلا أن نرفع أيدينا إلى الله العلي القدير ونسأله أن يتغمدك بواسع رحمته وغفرانه، وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة.. والدي؛ لي في غيابك قصة وجع لا تنتهي.. رحمك الله..