حُداء الإبل.. أصواتٌ مشحونةٌ بالحماسة يستخدمها الرعاة للتواصل والتفاعل مع إبلهم، وتأتي استجابة الإبل بناءً على تعوُّدِها على اللحن والأسلوب الذي ألِفَته من راعيها وتدرّبت عليه، ويُعدُّ هذا الفن جزءاً من تراث جزيرة العرب ويمتلك قيمةً ثقافية بارزة. ويمتد نطاقُ فنِّ الحُداء إلى عدة مناطق في المملكة، وذلك بسبب انتشار تربية ورعاية الإبل في هذه المناطق منذ آلاف السنين حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس ويومياتهم إذ استخدموها كمصدرٍ للغذاء ووسيلة للتنقل. وتتعزّز العلاقة بين الرعاة والإبل من خلال ترديد صوتٍ محدد، وتتلقى الإبل هذا الصوت بتفاعلٍ كبير، فعلى سبيل المثال يمكن للراعي أن يستخدم حُداءً مُعيَّناً لجمع الإبل في مكانٍ واحد أو لتوجيهها إلى مكانٍ معيّن، وكذلك لإعلام الإبل بوجود الطعام والماء، كما يحضُر الحُداء في "الهجيج" وهو سباق الإبل من غيرِ راكب حيث يقوم فيها الراعي بالحُداء لبثّ الحماسة في الإبل للإسراع والوصول إلى خط النهاية. ويستخدم الرعاةُ طريقتين لإصدار الصوت، الأولى تُسمّى "الصالق" وتعتمد على صوت الراعي فقط، أما الثانية فتُسمّى "الوالش" وتعتمد على التعاون بين أكثر من راعٍ حيث يُصدِرُ أحدُهما الأصوات ويعزف الآخَرُ المزمار، ويمكن الاستعانة بأدواتٍ مثل العصا للتلويح لجذب انتباه الإبل. ويحضُر فنُّ الحُداء في الاحتفالات والمناسبات، حيث يتنافس الرعاة الذين يتمتعون بأصوات جميلة، وتكون المنافسة بين راعيَين يقومان بجمع قطعانهما معاً والفائز هو الذي تستجيب له إبلُهُ وإبلُ مُنافسِه. وتُبدي المملكةُ اهتماماً كبيراً بهذا الفن، ويَظهر ذلك جليّاً في المهرجانات والمناسبات من خلال عروضِ ومسابقاتِ فنِّ الحُداء، حيث تسعى للمحافظة عليه وتعليمه ونقل المعرفة المتعلقة به إلى الأجيال القادمة. وفي تاريخ 30 نوفمبر 2022م نجحت المملكة العربية السعودية بالتعاون مع سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة في تسجيل "حُداء الإبل" في قائمة التراث الثقافي غيرِ المادي لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو"، وانطلاقاً من أهمية المُكوِّن الأساسي لهذا الفن وهو الإبل، وباعتبارها جزءاً من تراث الوطن، فقد وسَمت وزارةُ الثقافة عام 2024 بعام الإبل في لفتةٍ تُعزّز من قيمة هذا الموروث في أذهان المجتمع السعودي.